أجرى رئيس الجمهورية العراقية فؤاد معصوم أمس، محادثات وصفت ب «الحاسمة» مع رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني والقيادات السياسية في إطار مبادرة لإيجاد مخرج من خطوة الأكراد الانفصالية. فيما حذر رئيس الوزراء حيدر العبادي من «فتح باب الدماء» في حال تغيير الحدود بإجراء «أحادي». ووصل كل من معصوم وبارزاني أمس إلى السليمانية في وقت متزامن وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة، وبحثا في حضور قيادات في القوى السياسية في المواقف والمبادرات الدولية المطروحة في شأن الانفصال. وأكد نشطاء أن السلطات الأمنية اعتقلت عدداً من زملائهم اثناء تظاهرة منددة بزيارة بارزاني، فضلاً عن منع وسائل الإعلام من تغطيتها. وعلى رغم إصرار بارزاني على موقفه الثابت، إلا أن مصادر تتحدث عن وجود تحفظات داخل حزبه «الديموقراطي» من قبل نائبه ورئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني على خلفية غيابه عن حملات الترويج للاستفتاء، بالتزامن مع انقسامات في قيادة «حزب الاتحاد الوطني» بزعامة جلال طالباني ومخاوف بعضها من الأخطار والتبعات المحتملة على محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها في حال إشراكها في التصويت على الاستفتاء والبدء ب «إعادة تقويم الأوضاع». وأكد نيجيرفان خلال لقائه بوفد حكومي إيطالي أن «الاستفتاء وسيلة لتحقيق مطلب الاستقلال، ومن الضروري إجراء حوار جدي بين أربيل وبغداد». وأشار الى أن «المجتمع الدولي يمكنه المساهمة بتقديم بديل جدي لحل الأزمة». وأكد مستشار مجلس أمن الإقليم مسرور بارزاني ثقته بأن «إذا ما قرر شعب كردستان الاستقلال، فإن عدداً كبيراً من الدول ستعترف بدولتهم». وحذر العبادي خلال لقائه عدداً من الإعلاميين والمحللين السياسيين من أن «تغيير الحدود من طرف واحد يفتح باب الدماء على مصراعيه»، ولوح ب «اللجوء إلى فرض الأمن بالقوة في حال نشوب العنف». وأكد ان «المسؤولين في السعودية اتصلوا بنا وقدموا مبادرة لحل الأزمة والتدخل، ونشترك في الأفكار في عدم جر المنطقة الى مشاريع التقسيم والتجزئة». واعتبر أن «الاستفتاء ليس مناسباً الآن بل ليس صحيحاً بأي وقت». وجدد رفضه «لغة التصعيد والخطابات النارية من دون فائدة، كما رفض الاستعانة بقوات من خارج كركوك ونقلها الى المحافظة، ولن يحصل يوماً أن يتقاتل فيه العراقيون في ما بينهم على الأراضي». وأوضح أن «مبادرة رئيس الجمهورية لحل الأزمة هي في إطار الحديث عن مفاوضات لحفظ ماء الوجه، والكرد يرفضون الاحتكام إلى الدستور لمعرفتهم بصعوبة تعديله»، مشيراً الى أن «المناطق المتنازع عليها سيحكمها سكانها». ولفت الى «أخطار الأجندات التي تقف خلف دعوات الكراهية والتحريض». وحول مقترح تطبيع النظام «الكونفيديرالي» ذكر إن «ذلك يتطلب تعديل الدستور، وبناء على نصوصه بأن يصوت عليه ثلثا أعضاء البرلمان وإجراء استفتاء شعبي لكل العراقيين على التعديل». ودعا الأكراد إلى «الدخول في مفاوضات جدية ومعمقة». وأكد الناطق باسم الحكومة سعد الحديثي في بيان إن «تلويح العبادي في شأن استخدام القوة العسكرية كان واضحاً، وهو في حالة واحدة عندما يتعرض السلم الأهلي للتهديد». وتوالت المواقف الدولية الرافضة للخطوة الانفصالية، واعتبر الناطق باسم الحكومة التركية باكير بوزداغ أن «إصرار بارزاني على إجراء الاستفتاء لعب بالنار، وندعوه إلى الاحتكام إلى العقل»، وذلك بالتزامن مع شن طائرات تركية أمس غارات على معاقل لحزب «العمال الكردستاني» داخل أراضي الإقليم، ومناورات عسكرية قرب الحدود، في إطار ضغوطات تمارسها أنقرة على أكراد العراق للتخلي عن الانفصال. وحذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ليل الثلثاء من أن «تجاهل موقفنا الصريح حيال الاستفتاء قد يفتح الطريق أمام فترة تخسر فيه حكومة الإقليم الإمكانات التي تتاح لها، ونشوب أزمات جديدة وصراعات في المنطقة». وأفاد وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي بأنه «في حال تم اتخاذ قرار (بالتدخل العسكري)، أو إذا لزم الأمر، فإننا ملتزمون التنفيذ بكل حزم، لأن أي تغيير في وحدة أراضي العراق يعني ظهور عوامل خطر جديدة قرب تركيا، وسيكون هذا التطور بمثابة صب البنزين على النار». وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع شبكة «روداو» الإخبارية المقرب من حكومة الإقليم أن بلاده «لن تكون جزءاً من مبادرة تمنع مساراً ديبلوماسياً، أو ديموقراطياً». وأعرب عن أمله بأن «يكون هذا الاستفتاء، إذا ما أجري، من أجل أن يكون هناك تمثيل جيد لإكراد العراق في الحكومة الاتحادية وفي إطار الدستور العراقي، لأننا في حاجة اليوم إلى عراقٍ مستقر على مستوى وحدته وعلى المستوى السياسي، وأتمنى ألا يتم إضعاف رئيس الوزراء العراقي». وحض بارزاني على أن «يحول الاستفتاء، إذا ما أراد أن يجريه، إلى استفتاء يتيح التعبير عن إرادة الأكراد في إطار المؤسسات العراقية وليس إلى انفصال يجازف بأن تكون له نتائج سلبية على عموم المنطقة». كما جدد «الاتحاد الأوروبي» في بيان صدر عن مكتب ممثلته العليا للأمن والسياسة الخارجية فيديريكا موغيريني الموجودة حالياً في نيويورك إن «مثل هذه الأعمال الانفرادية (الاستفتاء) ستؤدي الى نتائج عكسية يتعين تجنبها، ونقر بوجود قضايا عالقة يتعين تسويتها بين أربيل وبغداد، ونرحب بمادرة الأممالمتحدة لتسهيل هذا الحوار وفقاً للدستور العراقي». وردّ الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف دفاعاً عن موقف موسكو من الاستفتاء «إنها لا تودّ الخوض حالياً في مسألة الاعتراف بنتائج الاستفتاء من عدمه»، واستدرك «موقفنا في مصلحة وحدة أراضي دول المنطقة». السعودية تقترح حواراً بين بغداد وأربيل الرياض - «الحياة» - أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً طالبت فيه الأطراف العراقية بدء حوار لتحقيق مصالح الشعب بمكوناته. وأكد البيان أن الحوار يضمن الأمن والسلام في العراق ويحفظ وحدته وسيادته. ودعا البيان السلطات في كردستان العراق إلى الحفاظ على المكتسبات التي حققها الإقليم. وطالب الأطراف العراقية بالعودة إلى الاتفاقات الموقّعة وأحكام الدستور العراقي. وأضاف البيان «أن عدم إجراء استفتاء كردستان سيجنب العراق والمنطقة الأخطار. وتابع «أن المملكة تتطلع إلى حكمة الرئيس بارزاني بعدم إجراء استفتاء انفصال كردستان». ونوّه إلى أن أي إجراءات أحادية في العراق ستزيد في تعقيد الوضع الإقليمي. وجاء نص البيان: «تقديراً للظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة وما تواجهه من أخطار، وحرصاً منها (السعودية) على تجنب أزمات جديدة قد تنتج منها تداعيات سلبية، سياسية، وأمنية، وإنسانية، تشتت الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة بما في ذلك مكافحة التنظيمات الإرهابية والنشاطات المرتبطة بها. وانسجاماً مع المواقف الإقليمية والدولية في هذا الشأن، فإن المملكة العربية السعودية تتطلع إلى حكمة وحنكة الرئيس مسعود بارزاني لعدم إجراء الاستفتاء الخاص باستقلال إقليم كردستان العراق، وذلك لتجنيب العراق والمنطقة مزيداً من الأخطار التي قد تترتب على إجرائه. وتدعو المملكة العربية السعودية الأطراف المعنية إلى الدخول في حوار لتحقيق مصالح الشعب العراقي الشقيق بجميع مكوناته، وبما يضمن تحقيق الأمن والسلام في العراق الشقيق ويحفظ وحدته وسيادته. والمملكة إذ تعبر عن تقديرها رئيس مجلس وزراء جمهورية العراق حيدر العبادي على جهوده في خدمة العراق والشعب العراقي بمكوناته كافة، كما تعبر عن تقديرها القادة ومكونات الشعب في إقليم كردستان العراق وما حققه من إنجازات وتقدم في المجالات كافة لتدعو إلى الحفاظ على هذه المكتسبات وعدم التسرع في اتخاذ أي مواقف أحادية الجانب من شأنها أن تزيد من تعقيد الوضع الإقليمي، والعمل وفق ما تقتضي مصلحة الطرفين ويحقق تطلعات الشعب العراقي بالعودة إلى الاتفاقات الموقعة بين الطرفين وأحكام الدستور العراقي».