استمر تراجع موجة التفاؤل باقتراب ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة وكأن الانتظار بات سيد الموقف الى حين اكتمال المشهد السياسي في المنطقة العربية، في ضوء تسارع التطورات فيها، وترقب صدور القرار الظني في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وهذا ما يفسر حرص أكثر من مسؤول لبناني على سؤال الموفد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان مايكل وليامز عن توقعاته لموعد صدوره، من دون أن يلقوا منه جواباً يمكنهم على ضوئه تحديد موعد أولي لتظهير التركيبة الوزارية في صورتها النهائية. وعلمت «الحياة» من مصادر مواكبة للاتصالات الجارية في شأن تشكيل الحكومة الجديدة، على رغم ان وتيرتها أخذت تتباطأ في الآونة الأخيرة، أن عدم التوصل الى تفاهم بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون الى قواسم مشتركة في خصوص حصة الأخير في الحكومة، لم يعد السبب الوحيد الذي ما زال يؤخر ولادة الحكومة. وأكدت المصادر نفسها ان عقدة عون قابلة للحل من خلال تدخل حليفه الأول «حزب الله» لإقناعه بوجوب خفض سقف مطالبه، هذا في حال سارعت دمشق الى إطلاق إشارات يُفهم منها ان الاتصالات المحلية اصبحت سالكة وآمنة امام التسريع بتأليف الحكومة، في ما هي في الواقع تصر على عدم التدخل من اجل الضغط على «التيار الوطني الحر». ولفتت المصادر عينها الى ان قرار دمشق عدم التدخل حتى الساعة لتذليل العقبات التي تؤخر تأليف الحكومة لا يعني انها ليست متحمسة أو غير معنية بولادتها، بمقدار ما انها منهمكة في مواكبة التطورات المتسارعة التي تمر بها المنطقة العربية، والتي لم تصل الى حدود تكوين المشهد السياسي الذي يتيح لها إطلاق الضوء الأخضر للأطراف المعنيين في لبنان بتشكيل الحكومة لاختصار عامل الوقت وبالتالي الخروج من دائرة تمريره أو اللعب عليه. واعتبرت ان دمشق وحلفاءها في لبنان حققوا نصف إنجاز بإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري ومن ثم إبعاده عن العودة الى الرئاسة الثالثة. لكن هذا الإنجاز لن يكتمل حتى أشعار آخر ولا يعود السبب الى اعتبارات محلية وإنما الى التطورات التي تعصف بالمنطقة، على رغم ان قيادات في الأكثرية الجديدة أخذت تتصرف، كما يُنقل عنها، وكأن القرار الظني لم يعد يعنيها وأن تهويل المعارضة الجديدة به لن يقدّم أو يؤخّر بذريعة ان تداعياته ومفاعيله السياسية حصلت قبل صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وفي هذا السياق كشفت المصادر ان دمشق ليست في وارد الدخول في صدام مع المجتمع الدولي الذي لم يتخذ موقفاً سلبياً من تكليف ميقاتي رئاسة الحكومة ويفضل ان يربط موقفه النهائي منه بمدى التزامه القرارات الدولية. وأضافت ان المجتمع الدولي، وإن كان يراقب ما يدور في لبنان، فإنه يؤخر حكمه على حكومة الرئيس ميقاتي الى حين تشكيلها أولاً ومن ثم صدور القرار الظني ثانياً للتأكد من التزامها القرارات الدولية وتطبيقها وهذا ما يعلنه بوضوح جميع سفراء المجموعة الأوروبية المعتمدين لدى لبنان إضافة الى السفيرة الأميركية. وتابعت ان جميع هؤلاء السفراء يحرصون على الإدلاء بموقف موحد من التطورات في لبنان التي أدت الى تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة لقطع الطريق على من يحاول اللجوء الى الاجتهاد في تفسير مواقفهم التي تتقاطع حول نقطة أساسية تتعلق بالتزام لبنان القرارات الدولية بما فيها المحكمة الدولية. كما اعتبرت هذه المصادر ان للتريث السوري في عدم إعطاء الضوء الأخضر لتشكيل الحكومة سبباً آخر يتعلق برغبة دمشق في إنعاش التفاهم السوري – السعودي الذي لم ير تطبيقه النور بعد قرار المملكة العربية السعودية الانسحاب منه، وهذا ما يفسر سياسة ضبط النفس التي تمارسها دمشق من خلال تمرير رسالة الى المجتمعين الدولي والعربي مفادها انها ليست مستعجلة على ولادة الحكومة. ورأت أن عقدة عون ما هي إلا نقطة غير ذات تأثير كبير أو مقرر في بحر التطورات التي تمر فيها المنطقة، وقالت ان عدم وضوح الرؤية السياسية في المشهد العربي يدفع البعض الى الاعتقاد بأنها كبيرة ولن تحل بين ليلة وضحاها. ونقلت المصادر عن مسؤول كبير معني مباشرة بالاتصالات الجارية لتأليف الحكومة قوله امام الفريق السياسي المحيط به، ان الجهود الرامية تدفع باتجاه تذليل العقبات وما ان تفتح ثغرة في مكان ما، حتى تقفل في مكان آخر. ومع ان هذا المسؤول يرفض الدخول في التفاصيل أو الانجرار الى سجال يعتبره في غير محله، فإن المصادر المواكبة لا تخفي التأثير المباشر للارتباك في المنطقة على تشكيل الحكومة ناهيك بالأسباب الداخلية التي تبدو الآن وكأنها مستعصية الحل مع انها ليست مستحيلة. وتؤكد المصادر انه تبين ان تأخير عملية التأليف لا يتعلق بالوقت الذي أمضاه ميقاتي وهو يفاوض بعض القيادات المسيحية في قوى 14 آذار لإقناعها بالانضمام الى الحكومة قبل ان تقرر عدم المشاركة، وإنما بعدم وضوح الرؤية في الخارج، وإلا ما هو التفسير العملي لتراجع بعض القيادات في الأكثرية الجديدة عن تفاؤلهم بعدما أوحوا في مواقف سابقة بأن الولادة أخذت تقترب وأن الأيام المقبلة ستكون حاسمة لجهة الإعلان عن التركيبة الوزارية. وتسأل المصادر عن حقيقة موقف معظم القيادات في الأكثرية الجديدة من مطالبة عون بأن يتمثل في الحكومة بأكثرية الثلث الضامن وهل تدعمه في موقفه وتتبنى شروطه ام انها تقاتل بالواسطة من خلال رئيسي الجمهورية والحكومة وبالتالي تراهن على قدرتهما على تنعيم موقف «الجنرال» باتجاه انتزاع موافقته على ان يعطى مع بعض حلفائه حصة وزارية تبقى في مطلق الأحوال أقل من أكثرية الثلث؟ وتضيف: «صحيح ان حزب الله يقود وساطة مباشرة بين ميقاتي وعون لكن الصحيح ايضاً أن حلفاء الأخير يتجنبون الإدلاء بأي موقف يُفهم منه أنهم يدعمون شروطه ومطالبه، في الحكومة الجديدة». لذلك فإن للتباطؤ في المشاورات أسبابه وهي خارجية أكثر منها محلية على رغم إصرار البعض في الأكثرية الجديدة على تأكيد ان عملية تأليف الحكومة اقتربت من خواتيمها، لكنه يتجنب تحديد موعد لولادتها، فيما البعض الآخر فيها لا يبرر الذرائع التي تحاول تجويف التأخير من معطياته الخارجية، في إشارة مباشرة الى رفضه التذرع بمشكلة اسمها عون ما زالت تعيق إصدار مراسيم التأليف. وعليه، فإن عدم استقرار المشهد السياسي في المنطقة العربية، نظراً الى استمرار التقلبات فيها، يبقى المبرر الوحيد لتأخير تأليف الحكومة، وإن كان البعض يتذرع بتصلب العماد عون ورفضه التخلي عن شروطه، وهو يعرف بأن الأخير يرأس تكتلاً نيابياً يضم تيار «المردة» وحزبي الطاشناق والديموقراطي اللبناني برئاسة النائب طلال أرسلان وجميع هؤلاء حلفاء لسورية التي في وسعها ان تضغط من خلالهم على «الجنرال» لثنيه عن التخلي عن بعض شروطه، لكن كلمة السر لم تصل بعد إليهم، وإلا لكانت الخريطة السياسية امام وضع جديد يسمح بإعادة تموضع هذه الأطراف بما يخدم تليين موقف عون.