من طرائف ما ينتقد على الخطباء دعواتهم المثيرة ضد أناس، ولصالح آخرين، وبين أشهر تلك الدعوات، ذلك القول المأثور عن العز بن عبدالسلام الذي كان يردد «اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر»، وهو القول الذي تلقفه بشكل صاخب أئمة وخطباء المملكة، إلا أن وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح آل الشيخ على مستواه الشخصي قال إنه لاحظ منذ عهد بعيد أن هذا القول يجعل الانسان يدعو على نفسه من حيث لا يشعر، فالدعاء على العاصي ب«الذلة» لا ينبغي لأن الكل مخطئ وإنما الذي يتفاوت حجم الخطأ، غير أن بني آدم جميعاً لا بد أن يقع منهم شيء من الخطأ. هذا النقد تجاوزه خطيب الحرم الشيخ صالح بن حميد، الذي اشتهر بأنه عوض عن القول «ويذل فيه أهل معصيتك»، ما زال يقول: «ويهدى فيه أهل معصيتك». ولإمكانية الدخول في المحظور، يفضل علماء مثل مفتي المملكة الحالي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أن يلتزم الخطيب والمحاضر بالدعاء المأثور في القرآن أو السنة، بوصفه الأكمل والأشمل، فمع كون الدعاء مشروعاً بأي كلام «لا إثم فيه ولا قطيعة رحم»، ربما يدفع محاولة الابتكار في الدعاء إلى مخالفة الهدي النبوي على هذا الصعيد. ومن الطريف أن أحد الخطباء في المملكة أدمن الدعاء في نهاية كل خطبة، بالقول «اللهم أغثنا»، حتى إذا ردد ذلك القول في خطبة غرقت فيها مدينته، ضج الحضور «اللهم حوالينا ولا علينا»، ولم يرفع أحد يده! ويصلح أن يكون دعاء القنوت في التراويح، مؤشراً للدعوات التي يطرب لها المصلون، فعندما يبتهل الإمام إلى الله تسمع نشيج الناس بالبكاء متفاعلين، ثم إذا تنقل إلى الدعاء للدول الإسلامية المتضررة، ارتفع صوت «آمين»، لكن المسجد كله يضج بالتأمين، حين تتجه الدعوات إلى أعداء الإسلام، وقضاء الديون. ولا ندري كيف سيكون الصوت لو دعا الإمام بأن يرزق كل المصلين «سكناً وسيارة وزوجة»، أظن التأمين سيخر من هوله «السقف». وقليل من الأئمة من عرف عنه التنزل بدعائه وقنوته لواقع الناس ومعضلاتهم اليومية، ويعللون ذلك بأن الدعوات الخاصة يدعو بها الناس في سجودهم، والعامة وحدها ما يمكن الإمام أن يرددها أمام جماعة مسجده. وفي سنوات الصحوة كان أكثر الدعاء شعبية بين الشبان «اللهم أقم علم الجهاد»، وبين العامة دعاء «ولا أيماً إلا زوجته»! ويبقى لكل إنسان حاجته والله أعلم بالسرائر.