يصوت أكراد العراق الإثنين المقبل في استفتاء مرتقب حول الاستقلال، لكن خبراء يعتبرونه وسيلة ضغط لإعادة التفاوض مع بغداد، حيال حصة الأكراد الاقتصادية والسياسية، أكثر منه بداية لتقسيم البلاد. وسرت أشاعات في كركوك، تفيد بأن كل المكونات فيها بدأت تتسلح. ومنذ أعلن مسعود بارزاني رئيس الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق، في حزيران (يونيو) الماضي موعد الاستفتاء الذي رفضته بغداد، تعالت دعوات خارجية إلى إلغاء التصويت. وعلى رغم ذلك ومنذ تموز (يوليو) الماضي، قال ممثل أربيل في طهران ناظم دباغ لوكالة «فرانس برس» إن الاستفتاء يهدف إلى «تسوية المشاكل مع العراق» وليس «الانفصال». وحدها إسرائيل أعربت عن دعمها استقلال كردستان، على رغم أن الدول المجاورة والولاياتالمتحدة وغيرها، طالبت إقليم كردستان، الذي حصل على حكمه الذاتي في عام 1991، حل الخلافات مع بغداد من دون تقسيم العراق، خصوصاً أن الاستفتاء يشكل عائقاً أمام جهود الحرب ضد «داعش». وفي مسعى إلى إرجاء الاستفتاء، قدمت الولاياتالمتحدة ودول أخرى مساء السبت «مشروعاً» لبارزاني، يتضمن مقترحات ل «بدائل» عن الاستفتاء. وتعهد رئيس الإقليم بالرد سريعاً على المقترحات، لكن يبدو أنه قرر مواصلة الضغط لتعزيز موقعه التفاوضي مع بغداد ومعارضيه على حد سواء. وفي كردستان، لا يناقش الناخبون والسياسيون فكرة الدولة إذ إن الاستقلال حلم للجميع، بل إن الاختلاف هو على الموعد والجدول الزمني، الذي يهدف وفقاً لهم، إلى إبقاء بارزاني في السلطة، على رغم انتهاء ولايته منذ عامين. وتعرب دول أخرى مثل تركيا، عن قلقها إزاء فكرة أن أربيل تثير النزعات الانفصالية لدى الأقلية الكردية على أراضيها، ما دفع بها إلى تحذير كردستان العراق إلى أن هناك «ثمناً» ستدفعه في حال فوز معسكر ال «نعم». وكان بارزاني أشار إلى أن تلك النتيجة لا تعني إعلان الاستقلال، بل بداية «محادثات جدية» مع بغداد. ويوضح كريم باكزاد من «معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية» (إيريس) أن «بارزاني يريد الحصول على مزايا شاملة» في حين لا يزال هناك الكثير من القضايا الشائكة. ويضيف أن بارزاني يطالب «بدور سياسي واقتصادي أكبر والاعتراف بحق الأكراد في استغلال النفط وتصديره من الشمال». ويأمل رئيس الإقليم بمساعدة أكبر من الولاياتالمتحدة، خصوصاً في الشق العسكري. يشير المدرس نوزاد محمد في السليمانية إلى أن حكومة الإقليم، ومنذ أشهر، «تؤكد أنها تعيش في أزمة» وخفّضت رواتب الموظفين. ويضيف «كنت أتقاضى 1.2 مليون دينار عراقي شهرياً (860 يورو تقريباً)، والآن لا يصلني إلا 400 ألف دينار». وبالتالي، فإن أولوية أربيل هي إعادة التفاوض، من موقع قوة، على «دفع حصة كردستان في الموازنة الوطنية، والتي تمّ حظرها حالياً بسبب تصدير النفط من جانب واحد من قبل الإقليم من دون المرور عبر بغداد، كما وموازنة البيشمركة»، وفق ما يرى باكزاد. والقضية الكبيرة الأخرى، هي المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، بما فيها من ثقل ديموغرافي للعرب والأكراد. ووسّعت كردستان بالفعل أراضيها، وسيطرت قوات البيشمركة على مناطق خارج حدودها بالاستفادة من تراجع الإرهابيين في الشمال. وفي تلك المناطق، حيث خلّفت المعارك ضد «داعش» أعداداً كبيرة من القوات شبه العسكرية الشيعية والكردية والسنية والتركمانية، فإن شبح الطائفية والاشتباكات بين الأقليات تبرز من جديد. وتتجه الأنظار حالياً إلى كركوك، المحافظة الغنية بالنفط التابعة لبغداد، حيث تجتمع كل العناصر التي يمكن أن تفجّر الوضع. وقرّر مجلس المحافظة التي تضم أقليات عدة، شمولها بالاستفتاء المرتقب. وفي المقابل، أقالت بغداد المحافظ الكردي نجم الدين كريم، الذي يرفض ترك منصبه. وحذّر هادي العامري، الأمين العام لمنظمة «بدر» المنضوية في الحشد الشعبي، من أن استفتاء إقليم كردستان قد يجرّ إلى «حرب أهلية»، داعياً الجميع إلى منع التداعيات السلبية للاستفتاء. وطافت على السطح التناقضات بين الأحزاب السياسية الكردية. ويقول المتحدث باسم «الجماعة الإسلامية» المقربة من إيران في السليمانية ريبوار خضر إنه «قبل الاستفتاء، يجب تنشئة الظروف الداخلية الكردية، وبدء حوار جدي مع دول الجوار كي تساندنا». ويؤكد مسؤولون أكراد أن أساس هذا الاستفتاء ليست نتيجته، بل نسبة المشاركة فيه، مشيرين إلى أنه إذا لم تلامس تلك النسبة عتبة ال70 في المئة، يعتبر ذلك فشلاً.