لم تكن زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري رئيس الحكومة السابق تمام سلام في دارته في المصيطبة عادية، وهي جاءت في سياق التضامن معه ضد الحملات السياسية والاعلامية المنظمة التي تستهدفه على خلفية فتح تحقيق لجلاء حقيقة اختطاف العسكريين اللبنانيين لدى تنظيم «داعش» الإرهابي في 2 آب (أغسطس) 2014 والدور الذي لعبته آنذاك حكومة «المصلحة الوطنية» التي كان يرأسها، والتي يراد منها الهجوم على موقع رئاسة الحكومة في محاولة للعودة بعقارب الساعة الى الوراء عندما نظمت حملة مماثلة ولأسباب مختلفة على رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في عام 1998 لاعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة الأولى في عهد رئيس الجمهورية السابق اميل لحود. فالرئيس الحريري اعتذر في حينها عن عدم تشكيل الحكومة اعتراضاً على المس بما نص عليه الدستور اللبناني في خصوص الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة الجديدة الذي خرقه عدد من النواب المحسوبين على نظام الوصاية السوري بامتناع النواب عن تسمية الرئيس المكلف وترك الخيار للحود لتجيير أصوات هؤلاء لمصلحة رئيس الحكومة، ويومها يتذكر الجميع كيف انقلب السحر على الساحر في الانتخابات النيابية عام 2000. لذلك أراد الحريري أن يوجه، في حضور سلام، رسالة سياسية لمن يعنيهم الأمر بأن موقع رئاسة الحكومة هو بمثابة خط أحمر من غير الجائز استهدافه بحملات سياسية منظمة وموحى بها أريدت منها محاكمة اعلامية وسياسية لفترة تولي سلام رئاسة الحكومة، خصوصاً في أعقاب حصول فراغ في سدة الرئاسة الأولى لم يكن مرتاحاً اليه وهذا ما كان يعبر عنه في مستهل جلسات مجلس الوزراء بدعوته الى انتخاب رئيس جديد لملء الشغور الرئاسي. ويفترض في ضوء الموقف التضامني للرئيس الحريري مع الرئيس سلام ان تبادر القوى السياسية التي تقف وراء الحملات الاتهامية الى اعادة النظر في حساباتها وصولاً الى تصويب موقفها، خصوصاً أن الأخير نجح في الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار السياسي بصبره وحكمته واستيعابه المواقف التعطيلية للعمل الحكومي التي كان يتزعمها «التيار الوطني الحر» الذي اتهمه في أكثر من مناسبة بأنه «داعشي» وانسحب اتهامه في حينها على «تيار المستقبل» الذي كان يشكل رافعة لدعم الحكومة لقطع الطريق على من يراهن على إحداث فتنة سنية- شيعية كانت «واقفة على صوص ونقطة». وعليه، لا يمكن الاعتراض على اجراء تحقيق قضائي شرط أن لا يتبرع هذا الطرف أو ذاك بتوزيع مضبطة فيها الكثير من الاتهامات السياسية مع بدء التحقيق الذي يفترض أن يشمل الذين كانوا ضد التفاوض مع «داعش» للافراج عن العسكريين بذريعة أنه تنظيم ارهابي فيما انبروا للدفاع عن التفاوض الذي تولاه «حزب الله» مع جبهة «النصرة» و «سرايا أهل الشام» لاخراجهما من جرود عرسال على رغم ان وضع الجيش اللبناني في الوقت الحاضر أقوى بكثير مما كان عليه خلال فترة اعتداء المجموعات الارهابية على وحداته العسكرية في آب 2014، اضافة الى مساءلة الجهة التي تولت تأمين الممر الآمن لأحد قادة «النصرة» أبو مالك التلي وغيره للانتقال الى سورية من دون أن يكلف النظام في سورية نفسه عناء استجوابهم والتحقيق معهم. وقال الحريري بعد اللقاء: «جئت لزيارة الرئيس سلام لأن من الطبيعي أن أزوره. هناك موضوع يُحكى عنه في البلاد ويتم تسييسه بشكل كبير. وبرأيي أن الطريقة التي يتعامل بها البعض مع هذا الموضوع، هي من أجل القيام بشرخ في البلد». وأوضح أن «المرحلة التي حصل فيها الخطف، كلنا نعرفها، ولنتذكر ما حصل يومها، وكان هناك خلاف سياسي كبير واحتقان كبير وكان على الرئيس سلام أن يأخذ قرارات، ليحمي لبنان». وأشار إلى «المزايدات التي تحصل في ما يخص التحقيق أو غيره». وقال: «كلنا نريد معرفة الحقيقة، ولكن المرفوض هو تسييس هذه الحقيقة، وعندما حصل الخطف، اعتدي على الجيش وحصلت محاولات عدة لإنهاء هذا الموضوع، لكن كانت هناك خلافات سياسية. لكن هل هذه الخلافات السياسية كانت بسبب المخطوفين؟ لا. أو بسبب ان احداً يريد حماية داعش؟ كلنا ضد داعش». وقال: «نعرف أنه عندما أتى الرئيس سلام إلى الحكومة، كيف انتهت كل المشكلات التي كانت تحصل في طرابلس، وكيف انتهى الارهاب، وكيف تعاملت الدولة مع أحداث عبرا». وأضاف: «لا أحد يزايد على إسلاميتنا. كانت هناك مهمات صعبة على الجيش القيام بها إضافة إلى قرارات سياسية. اليوم الجيش استطاع تحرير جرود القاع والبقاع كله. كيف؟ كان هناك اتفاق سياسي شامل بأن يقوم الجيش بالمهمة». وسئل عن دعوة الرئيس سلام له الى الكشف عن محاضر جلسات مجلس الوزراء، فأجاب: «ما يعنيني، هو التحقيق الذي طالب به رئيس الجمهورية، بشأن كيفية مقتل العسكريين ولماذا قتلوا. لكننا ننسى أمراً مهما بأن من قتل العسكريين هو داعش. ونأتي اليوم لنتّهم بعضنا بعضاً في مرحلة من مراحل ننجز فيها انتصاراً». وأكد أن «من قتل العسكريين هم الارهابيون»، وقال: «الأكيد أن اللبنانيين لم يقتلوا العسكريين». وقال: «يكفي مزايدات. ويكفي التكلم في الهواء»، متمنياً على «الجميع أكانوا سياسيين أو وسائل اعلام أن يلعبوا دوراً ايجابياً في هذا الانتصار الذي أنجزه الجيش». ورأى «أننا دائماً نبحث عن أمر سلبي بدلاً من الايجابي». وقال: «انتصرنا. وللمرة الأولى يضع الجيش العلم اللبناني على مسافة بعيدة في تلك المناطق في الجرود. والجميع يعلم خلافاتنا مع النظام السوري في موضوع هذه الحدود. في وقت نتناقش فيه على موضوع التحقيق. برأيي أن هناك مزايدات لحشر بعضهم بعضاً». وقال: «أهالي العسكريين هم أكثر الاشخاص اصابة. لكن عندما ينجز الجيش هذا الانجاز، حرام أن نضيّعه بتلك الامور». وسئل عن الهجوم على أهالي عرسال وبعض القيادات، قال: «الجيش يحمي كل اللبنانيين. وليس لدى أهالي عرسال أي أمر يخافون منه لأنني هنا. والجيش هنا. لا يتجرأ أي شخص على مد يده على البلدة. هذا لم يحصل في السابق ولن يحصل في المستقبل. وعلينا أن نخرج من منطق أن اهالي عرسال مستهدفون أو القول إن الارهاب موجود في البلدة. من قاوم وقاتل الإرهاب في عرسال هم أهلها. ومن منع الارهاب من أن يمتد إلى كل لبنان هم أهلها». وأشار إلى أنه «كان عدد سكان عرسال قبل النزوح السوري ما بين 20 إلى 25 ألفا، أما اليوم فعدد السكان مع النازحين ما بين 150 الى 170 الفاً. أهلها أبطال وتحملوا ما لا يتحمله أي شخص»، لافتاً إلى أن «عرسال مطوقة، وأهلها لا يمكنهم الدخول إلى أرزاقهم والدولة لا تهتم بهم»، مطالباً ب «عدم المزايدة». وقال إن «الجيش عام 2014 هوجم وتعامل مع الهجوم بعدم تفجير البلد في الداخل. وأخذت القيادة السياسية حتى في اختلافها وانقسامها، القرارات الصحيحة لحماية لبنان». ولفت إلى أنه «عندما كنا نتكلم دائماً عن الحوار بيننا وبين حزب الله، ليس لأننا نريد أن نتغاضى عن أمور أو لا»، مؤكداً «أن لدينا خلافات مع حزب الله لن تصحح ولكن هناك أمور نتفق عليها معه كاستقرار لبنان وأمنه». وتمنى على «الجميع عدم المزايدة في هذا الموضوع وكلنا مسؤولون». وشدد على أن «كل القيادات السياسية التي كانت تجلس الى الطاولة يومها هي مسؤولة بسبب خلافاتها السياسية». وعما إذا كان سيتم رفع الحصانة عن المسؤولين، أجاب: «نرفع الحصانة عن الجميع. لكن ذلك سيجري ليس فقط على السياسيين. هناك بعض الاعلام لعب دوراً خاطئاً وبعض الكتّاب عملوا بشكل طائفي ووضعوا ناراً على الفتنة». وأَضاف: «كان دور الرئيس سلام حماية لبنان، كي لا يدخل السنة بالشيعة والشيعة بالسنة؟ ولا أحد يزايد علينا، في هذا الموضوع حمينا لبنان، ومن يريد الفتنة بين السنة والشيعة سنقطع الطريق عليه، لاننا نريد حماية لبنان في ضوء ما يحصل في في سورية والعراق». ولفت إلى أن «داعش نفذ هجومه لزرع الفتنة وحرق عرسال، هذا كان المطلوب. وذلك ليقوم السنة على الشيعة والعكس صحيح؟ كيف تداركنا الموضوع؟ عضضنا على الجرح». وقال سلام: «الرئيس الحريري يأتي إلى دارته»، مؤيداً «كل كلام الحريري». وأضاف: «الظروف الصعبة التي مررنا بها كان هو خلالها يقف المواقف الواضحة على حساب البعض الذين يعتقدون ان المزايدة الطائفية او المذهبية يمكن ان تحقق شعبية، في احلك الظروف وقف ضد الرأي العام ومشاعر واحاسيس كي نستطيع مجابهة الارهاب ونحصن الوطن، واليوم نحن الى جانبه ايضاً كما كان هو الى جانبنا في حينه، نحن متضامنون لمواجهة كل اعداء لبنان، كائناً من كانوا، من الداخل والخارج». وقال: «حذار من الداخل. ما قاله كلام سليم وواضح. نعم أكثر معاناة عانيناها في تلك الأيام أو ما زلنا نعانيها اليوم، هي أنفسنا، نتسابق للتسجيل بعضنا على بعض. ما زلنا نركض ونتسابق من سيسجل على الآخر، ومن سيقول أنا وليس أنت. هناك وطن بين أيدينا يجب الحفاظ عليه وتحصينه». وأضاف: «أخذت قرارات ومواقف والرئيس الحريري بذاته ذهب إلى مواقف لم يكن أحد يتصوّرها، لإنقاذ الوطن، ولم يكن هاجسه تسجيل قضية شعبية ليس لديها حدود، ويمكننا اليوم فعل ذلك، لكن لا يمكننا الحفاظ على الوطن بهذه الطريقة. لم أتربَّ على ذلك في دارة صائب سلام ولا سعد الحريري تربى في دارة رفيق الحريري على هذا الأمر». وعن كشف من كان السبب في عرقلة التفاوض في مجلس الوزراء، قال: «ليس هناك شيء للكشف ولا للتخبئة، القصة واضحة هناك وطن علينا الحفاظ عليه، وعلينا الحفاظ على عرسال وهذا ما فعلناه وما زلنا مستمرين في هذه الطريق، وهذا ما يفعله الحريري اليوم». وأضاف: «أتضامن مع الرئيس الحريري بقوله إن علينا أن نهدأ قليلاً، يجب أن نهدئ الأمور، وعلى الاعلام أن يهدأ قليلاً إذ أصبح التنافس الإعلامي لإبراز بعض الأمور. لا تجوز إثارة المشاعر والناس، هؤلاء الناس مجروحون، هم آباء وأمهات الشهداء ولا تجوز إثارتهم واللعب بمشاعرهم». وأشار إلى ان «داعش فعل هذا الشيء، وتذكروا أنهم «قلَّبوا» الاهالي على الدولة والحكومة، وأصبحت الجهة الخاطفة هي الحكومة وداعش كان يتفرج». وتمنى أن «يكون هناك تضامن واحد، نحن مع الحكومة والرئيس الحريري في مواقف واضحة جداً نريد الحفاظ على بلدنا». رئيس الحكومة يبدأ زيارته موسكو يبدأ اليوم رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري زيارة رسمية لموسكو يلتقي خلالها كبار المسؤولين الروس، وفي مقدمهم الرئيس فلاديمير بوتين، تتناول الوضع في المنطقة وتحديداً في سورية وضرورة تكثيف الجهود للوصول الى حل سياسي ينهي الحرب الدائرة فيها، اضافة الى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين من خلال التوقيع على اتفاقات للتعاون في مختلف المجالات. وكان الحريري غادر مساء أمس الى موسكو على رأس وفد وزاري موسع ضم نائب رئيس الحكومة وزير الصحة العامة غسان حاصباني ووزراء الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والمال علي حسن خليل والاشغال العامة يوسف فنيانوس والإعلام ملحم رياشي والثقافة غطاس خوري والاقتصاد رائد خوري. ويتوقع ان يستهل الحريري لقاءاته باجتماع يعقده غداً الثلثاء مع وزير الخارجية سيرغي لافروف على أن يعقبه اجتماع موسع بين الحريري ونظيره الروسي ديمتري ميدفيديف في حضور أعضاء الوفد اللبناني ونظرائهم في الحكومة الروسية. ويختتم الحريري محادثاته الرسمية بلقاء الرئيس بوتين بعد غد الأربعاء في بلدة سوتشي الواقعة على البحر الأسود ويعود بعدها الى بيروت.