وصلتني رسالة من مجموعة نساء أنشأن صفحة على «فيسبوك» بعنوان «حق المرأة السعودية في قيادة سيارتها بنفسها»، راجيات أن تنشر رسالتهن التي أُختصرت كثيراً لكن من دون الإخلال بمضمونها. تقول الرسالة: «نتمنى إيصال أصوات النساء في هذا البلد الحبيب إلى من ولي الأمر، أنتِ أعلم منا بوضع المرأة في البلاد، على رغم جهد الملك، أطال الله في عمره، لتكريم المرأة وفتح المجالات أمامها، إلا أن هناك من يحاول أن يعتم أمور النساء في المملكة، وهناك نساء لا يعرفن كيف يوصلن أصواتهن إلى الجهات المعنية. باختصار نريد أن نقود السيارة! نقسم بأنها ليست رفاهية، إنما هناك الكثيرات اللواتي لا يستطعن دفع تكاليف السائق، وهناك من تم التحرش بهن وببناتهن وأولادهن، وهناك من يتمرد عليها سائقها، وهناك من يعاند، وهناك من يفتعل مشكلات... الخ، وكل هذا في الخفاء! الاختلاط في كل مكان، لماذا نتكلم عن قيادة المرأة السيارة وكأنها عار؟ أليس حق لنا؟! نرجو إيصال صوتنا إلى المسؤولين». تحدثت الرسالة أيضاً عن مشكلات إجتماعية أخرى تخص المرأة، ولكنها أكدت أن السماح لها بالقيادة سيحل بدوره الكثير من تلك العقبات. لا تعتبر المجموعة التي أرسلت الرسالة الوحيدة على موقع «فيسبوك» أو غيره، فهناك مجموعات أخرى تختلف مسمياتها، ولكن لها المطلب نفسه الذي ترجو تحقيقه من خلال نشر الوعي على المواقع الاجتماعية. وعلى رغم المعارضة غير المنطقية التي تلاقيها مسألة قيادة المرأة السيارة، إلا أن الأمر لا ينطبق على الكل، لأنه من المعروف أن النساء يقدن سياراتهن خارج المدن الرئيسة، وفي القرى. لقد نشرت صحيفة «الحياة»، في صفحتها الأولى مطلع هذا الأسبوع، تحقيقاً عنوانه: «تثليث»: محافظة سعودية تقود فيها المرأة السيارة... علانية»، موثقاً بصورة لسيدتين تنتظران انتهاء تصليح سيارتهن في إحدى الورش. وتحدثت الصحيفة إلى نساء وشابات يقدن السيارة بشكل طبيعي للقيام بمتطلباتهن اليومية، ولا يجدن أي معارضة لا من رجال الأمن، أو حتى رجال الهيئة، مؤكدات قيادتهن للسيارة داخل المدينة وخارجها للقيام بكل الأعباء الأسرية في جو اجتماعي يغلب عليه احترام المرأة وعدم إيذائها، («الحياة»: 27 شباط/ فبراير 2011). لا أعتقد أن هؤلاء السيدات يحملن رخصة قيادة، أو حتى إلتحقن بمدارس لتعليم قواعد قيادة السيارة، وعلى الأرجح هن يقدن سيارات كبيرة غير «أوتوماتيكية»، ويقمن بصيانتها بأنفسهن، وكل ما تحتاجه السيارة من متطلبات، ما يؤكد بساطة الفكرة وطبيعيتها، وأن قيادة السيارة ليست معضلة تحتاج لدراسات وندوات ومؤتمرات لحلها ولتقبل المجتمع لها! لماذا لا يمكن تطبيق هذه الصورة البسيطة، التي تحدث بشكل اعتيادي في القرى وبعض المحافظات، داخل المدن الكبيرة التي هي بحاجة أكثر إلحاحاً إلى تمتع المرأة بحقها في حرية الحركة، وتعزيز وجودها بشكل طبيعي في تفاصيل الحياة اليومية، لتطبيع علاقتها مع بعض فئات المجتمع التي ترفض هذا الوجود من منطلق الخوف غير المقبول؟ لماذا تختلف المرأة السعودية عن نساء العالم؟ لماذا يبقى المجتمع السعودي هو الذي يحول بينها وبين حق بديهي، ربما لا تعيه الكثيرات لافتقارهن للثقافة الحقوقية، ولتعودهن أن يكن منقادات لا قائدات؟ لا ينبغي تكبيل القضية بتفاصيل لا تُغني ولا تسمن. مثل كيفية تعامل المرأة مع الرجل، سواء كان شرطياً أو عامل محطة البنزين أو غيرهما، لأنها أمور طبيعية تتعامل معها المرأة بشكل يومي حتى وهي مع سائقها الخاص وربما مع زوجها أيضاً، فالاختلاط في هذا الأمر سمة طبيعية في أي مجتمع إنساني. لا يمكن أن تبقى قضية قيادة المرأة السيارة معلقة، تحت رحمة التقبل الاجتماعي من فئة معينة إلى أجل غير مسمى. إن هذا الرفض الاجتماعي الذي يحيط بهذه القضية تحديداً لن يحسم إلا بقرار واضح يسمح للمرأة أن تمارس حقها في قيادة السيارة وحرية الحركة، كما حدث في قرار 2008 الذي سمح لها بالسكن في الفنادق من دون محرم. [email protected]