ليس هناك مكان للجلوس، ولا للوقوف أيضاً، كان ممثل حقوق الإنسان جالساً بين موقوفين في فيديو تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي كمؤشر الى زيادة عدد الموقوفين في سجن البصرة، إلا أن دائرة السجن ردت لتبرر الموضوع فأوضحت أن هذا الزحام هو للموقوفين في قضايا تعاطي المخدرات والاتجار بها. أظهر الفيديو أن الممرات بين أسرة الموقوفين مليئة بهم فيما كانت الأسرّة أيضاً مشغولة بالجالسين، وزارة العدل نفت أن يكون ذلك سجن البصرة المركزي، واكتفت بنقل المشكلة إلى مكان آخر مع بقاء أصل المشكلة التي تبعث على الدهشة والاعتراض حين أوضحت أن «ما تداولته بعض مواقع التواصل الاجتماعي بنقله صوراً ومقاطع فيديو مفبركة عن سجن البصرة المركزي التابع لدائرة الاصلاح العراقية، امر ننفيه. هذا الخبر عار من الصحة وهذه الصور هي لمركز شرطة المهندسين قسم مكافحة المخدرات في البصرة « . رئيس اللجنة الامنية في مجلس البصرة جبار الساعدي قال ل «الحياة» إن «الأماكن الخاصة باحتجاز المتهمين بقضايا متعلقة بالمخدرات مزدحمة بسبب التأخر في التحقيق معهم ومحاولة إلقاء القبض على بقية أفراد العصابة من خلال معلومات الموقوف كما أن قضاياهم لم يتم البت فيها بعد». وأضاف أن «الاكتظاظ في أماكن التوقيف يساعد على تنامي التجارة أيضا حيث يلتقي الجميع ويتعرف بعضهم إلى بعض ما يساهم في فتح أسواق والتعرف الى زبائن جدد، فضلاً عن إنهم يحتاجون إلى مراكز تأهيل نفسي وعلاجي للتخلص من ضرر إدمان المتعاطين أو لإقناع المتاجرين بسوء ما يرتكبونه من جرائم بحق البلاد». وأضاف أن «البصرة شهدت أكثر من ثلاثين حالة انتحار بسبب تعاطي المخدرات ووصول المتعاطي إلى مرحلة الإدمان». وكان العراق منذ ثمانينات القرن الماضي معبراً لطريق المخدرات الدولي والذي يبدأ من أفغانستان وباكستان ويمر عبر إيران ومن ثم الى البصرة وبعدها إلى الخليج وتركيا وأوروبا، إلا أن العراق وبعد حرب عام 2003 وبعد ارتفاع المستوى المعيشي أصبح مستهلكاً أيضاً بعد أن كان ممراً. وقال عضو مجلس محافظة البصرة كريم شواك ل «الحياة»، إن «المحافظة تشهد تنامياً على مستوى التعاطي والتجارة مع اختلاف طرق الإيصال والتوزيع وحتى طرق التعاطي، والأجهزة الأمنية تلقي القبض على الكثير من المتعاطين إلا أن المشكلة هي في طريقة التعامل مع الملقى القبض عليهم». وأوضح أن «هناك حالات كشفت عن وصول المخدرات إلى المدارس، أي أن المتعاطي قاصر ومن دون علم الأهل وهذا ما يخلق عقدة أمنية وقانونية وقضائية ويبين في الوقت ذاته حجم الزيادة الحاصلة في تجارة المخدرات والتي جعلت العراق بلداً مستهلكاً لها بعد أن كان ممراً فقط خلال العقود الماضية». وكشفت قيادة شرطة البصرة قبل اربعة أعوام عن إلقائها القبض على عصابة مكونة من (11) شخصاً، دلت عليهم فتاة جامعية كانت تتزود بالمخدرات منهم واختلفت معهم حول مستحقات مالية، وهو ما كشف عن وصول المخدرات إلى أيدي الفتيات في المحافظة. ويقول الضباط (ع. خ.) وهو منتسب أمني عمل على إلقاء القبض على أكثر من عصابة في محافظة البصرة، إن « بداية الاستهلاك في البصرة كانت للحشيشة والترياق الذي تُهرب كميات منه منه إيران وكان تعاطيه عبر دسه في النرجيلة التي تُقدم في بعض المقاهي الخاصة ولأشخاص محددين ولضيوفهم فقط». وأوضح أن «في السنوات الأخيرة شهدت البصرة استهلاك الكريستال الذي يتميز بتأثيره القوي على المتعاطي وارتفاع سعره، إذ يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد منه ثمانين ألف دولار». وقال إن «الكريستال غالي الثمن لكون مصدره زراعياً إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأ تصنيعه مختبرياً بأسعار أقل، ولكن الصناعة داخل البلاد تتم حالياً تحت إشراف أشخاص غير عراقيين كما هي الحال مع العصابة التي تم إلقاء القبض عليها وتبين وجود شخصين غير عراقيين فيها». وكان الحكم على المتعاطي والمروّج للمخدرات في زمن صدام حسين هو الإعدام بغض النظر عن كمية التعاطي أو الإتجار ما أدى إلى تراجع نسبة التعاطي بشكل كبير. ويقول المحامي (ز. ش.) الذي عمل في الدفاع عن الكثير من ملفات المخدرات، إن «إجراءات التحقيق القضائي مع المتعاطين أو المروجين تأخذ وقتاً طويلاً مما يؤدي إلى طول فترة الاحتجاز وهذا ما تنتج منه علاقات جديدة بين العصابات داخل التوقيف فيزيد من حجم المشكلة». وأضاف أن «بعض المنتسبين الأمنيين يعملون على إجراء اتفاق مع ذوي المحتجزين وتحويل تهمتهم من الترويج والتجارة إلى التعاطي لأن الحكم سيكون أقل بكثير مما هو الحال مع المتاجرين». وقررت اللجنة العليا لمكافحة المخدرات في محافظة البصرة، فتح مركز متخصص لعلاج حالات الإدمان في البصرة بالتعاون مع دائرة صحة المحافظة التي قالت في بيان لها إن «الدائرة اجتمعت مع كل الجهات ذات العلاقة واتفقت معها على فتح مركز متخصص لعلاج حالات الادمان ومتعاطي المواد المخدرة في البصرة، بعد تنامي عدد الحالات التي يمكن المركز معالجتها». وأشار البيان إلى أن «هناك لجنة عليا نظرت في الموضوع وهي برئاسة المدير العام لدائرة الصحة، وعضوية ممثل مجلس محافظة البصرة صفاء مسلم وقاضي ومدير عام تربية البصرة والشباب والرياضة ومكافحة المخدرات في قيادة شرطة البصرة بالإضافة الى مديريتي الوقف السني والشيعي وممثل عن وزارة التعليم العالي». وطالب مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في محافظة البصرة، الحكومة المحلية بشقيها التشريعي والتنفيذي بتشكيل خلية أزمة تمتلك الصلاحيات اللازمة للقضاء على ظاهرة تعاطي المخدرات. وقال ل «الحياة» مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في البصرة مهدي التميمي، إن «البصرة يجب أن تتعامل قضائياً مع تنامي حالات التعاطي والإتجار، وأن تقوم باحتواء المتعاطين وهو أفضل من التعامل معهم كمجرمين، لذلك لا بد من إنهاء المتعلقات كافة التي تربك حل القضايا من الناحية القانونية». وأوضح أن على المحافظة أن تنشئ مصحات علاجية للمتعاطين لهذه المواد، لتخليصهم من الإدمان إذ يأتي افتتاح مركز للإدمان في المحافظة كخطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن يجب تأهيل هذه المصحة بأجهزة وعلاجات متطورة وأن لا تكون مصحة نفسية فقط.