شيّع لبنان الرسمي والشعبي أمس شهداءه العسكريين ال10 الذين قتلهم تنظيم «داعش» بعد خطفهم في عرسال في آب (أغسطس) 2014. وبدأ التشييع في حفل تكريمي أقيم في وزارة الدفاع منحهم فيه رئيس الجمهورية ميشال عون ثلاثة أوسمة: الحرب، الجرحى والتقدير العسكري، التي قال الاهالي انها تشعرهم بالفخر والاعتزاز بأن أبناءهم استشهدوا من أجل لبنان، لكنهم تمنوا «لو تعدَّدت أوسمتهم وكَثُرت وهم على قيد الحياة». ونقلت الجثامين الى مساقط رأس الشهداء في البقاع والشمال والشوف وسط استقبالات شعبية حاشدة، وفي ظل حداد عام وقف فيه اللبنانيون دقيقة صمت حداداً على أرواح الشهداء. يوم طويل عاشه الأهالي أمس، وبدأوه صباحاً في المستشفى العسكري في بيروت لينهوا إجراءات إخراج النعوش ثم انتقلوا إلى وزارة الدفاع حيث كان الوداع الرسمي المهيب الذي عبّروا فيه عن حزنهم بهدوء لكن من دون أن يغيب بكاء النساء والرجال والشهقات المتقطعة. والشهداء هم: المؤهل ابراهيم مغيط (متأهل وله 3 أولاد- القلمون)، الرقيب علي المصري (متأهل وله 5 أولاد- حورتعلا)، الرقيب مصطفى وهبي (متأهل- اللبوة)، العريف سيف ذبيان (متأهل وله ولدان- الكحلونية، الشوف)، العريف محمد يوسف (متأهل وله ولد- مدوخا)، الجندي أول خالد حسن (متأهل وله ولدان- فنيدق)، الجندي أول حسين محمود عمار (عازب- فنيدق)، الجندي أول علي الحاج حسن (عازب- شمسطار)، الجندي أول عباس مدلج (عازب- الحرفوش بعلبك)، الجندي أول يحيى علي خضر (عازب- الضنية). أمس، كان من أقسى الأيام على أهالي العسكريين مع العلم أن أيامهم منذ خطف أبنائهم قبل 3 سنوات كانت كلّها تعباً. ولكن على رغم ذلك كان ثمة أمل ولو ضئيل بأن يلتقوهم. أما أمس وبعد تلاوة نبذة عن كل شهيد، وسُمّي كل شهيد باسمه علت أصوات النحيب وكأن هذا الأمل كان لا يزال قائماً. بنظرات يغطيها الحزن ويكسوها الألم، حتى تكاد لا تتحرك إلا مثقلة، تنظر زوجة العسكري الشهيد خالد حسن، وضحة إلى الأرض وتحتضن ابنها مقبل طوال وقت الانتظار. لكن لحظة دخول النعوش المؤثّرة وقف مقبل وضرب بقدمه على الأرض على ايقاع لحن التعظيم وقرع الطبول إيذاناً بإدخال النعوش على أكتاف عناصر ثلة من الشرطة العسكرية إلى باحة وزارة الدفاع حيث وقف الحضور لاستقبالها وسجيت في ساحة العلم ورفعت خلفها صور الشهداء وشعار الجيش مع عبارة «فجر الجرود». ولم يعرف مقبل معنى الحزن إلا عندما مسح دموع والدته. وركض لمصافحة الحريري ولحق به حسين يوسف والد العسكري محمد وصافح الرئيسين بري والحريري. وتوسّعت عينا آمنة زكريا التي كانت تجلس إلى جانب وضحة بصدمة وقالت ل «الحياة»: «أشعر بالحقد على السلطة التي أعادتهم إلينا رفاتاً... تم نعيهم وتكريمهم والسلام عليكم؟ لا، من ظلمني أنا كأم سيحاسب». أما زوجة العسكري الشهيد محمد يوسف التي لم تفارق دمعتها عينيها، فأبقت يدها على صدرها وهي تنادي زوجها: «يا حبيبي يا محمد». وبدا لافتاً حضور والدة العسكري الشهيد محمد حمية الذي قتله مسلّحو «جبهة النصرة». سوسن ذبيان زوجة العسكري سيف ذبيان وصلت وهي منهكة جسديا ونفسياً، تحمل صورة زوجها وتبكي، تعانق من اقترب منها وواساها وبقيت في هذه الحال حتى انتهاء مراسم التكريم. وقالت ل «الحياة»: «استشهاد سيف فخر لنا، الله يأخذ له حقه». أما المختار شوقي المصري عم العسكري الشهيد علي المصري، فقال ل «الحياة»: «لو حصلت معارك عرسال على عهد السلطة الحالية لما خطف أبناؤنا». وكان العلم اللبناني رفع قبل وصول رئيس الأركان اللواء الركن حاتم ملاك ثم قائد الجيش العماد جوزيف عون، ثم وزير الدفاع يعقوب الصراف فرئيس الحكومة سعد الحريري الذي وصل بعده رئيس المجلس النيابي نبيه بري. ثم وصل الرئيس عون على وقع عزف النشيد الوطني ولحن التعظيم. وحيا الرؤساء الثلاثة أهالي العسكريين الذين ردوا التحية. وحضر المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم وممثلون عن «يونيفيل» وممثلو الطوائف. وبعد عزف موسيقى الجيش معزوفة الموت ولازمة النشيد الوطني وقف الحضور دقيقة صمت حداداً، ردد بعدها رفاق السلاح ثلاث مرات عبارة «لن ننساكم أبداً»، ووقف والد العسكري الشهيد علي المصري ورددها معهم بصوت عال. ثم سلّم قائد الجيش عائلة كل شهيد العلم اللبناني عربون شكر وتقدير. وقال له والد العسكري الشهيد عباس مدلج: «نرفع رأسنا بكم. ونعرف أن حقنا لن يضيع». قائد الجيش: شركاء في النصر وألقى قائد الجيش كلمة أكد فيها أنه «منذ لحظات اختطاف أبناء المؤسسة العسكرية على أيدي الإرهاب الغاشم، أعلنوا إقدامهم للدفاع عن الوطن والاستشهاد في سبيله، فكانوا عنوان معركة فجر الجرود». وخاطب الرئيس عون قائلاً: «كان لحضوركم مع ساعات الفجر الأولى إلى غرفة عمليات القيادة، بالغ الأثر في رفع معنويات الجيش، حيث تابعتم سير المعركة ميدانياً وخاطبتم العسكريين داعمين، واثقين بهم وبانتصارهم على الإرهاب، ومؤكدين للبنانيين وللعالم على الملأ أن وحدة أراضي لبنان يصونها الجيش وشهداؤه، وأن النصر على الإرهاب آت لا محالة، كما عبّر عن الموقف نفسه الرئيس بري، الذي ما كلَّ يوماً عن دعم المؤسسة العسكرية ومؤازرتها في مختلف الظروف، وهو القائل: «الجيش دائماً على حق»، كذلك موقف الرئيس الحريري الذي بدوره زار الأراضي المستعادة وتفقَد جنودنا في الميدان، وقدّم كامل الدّعم لإنجاز المهمّات الموكلة إلينا». وشدد على أنه «ما كان لعملية فجر الجرود أن تتحقق لولا القرار السيادي اللبناني الذي اتخذته الحكومة». وأكد أن «فرحتنا بالانتصار على الإرهاب تبقى حزينة، فكنا نأمل ونعمل على تحريركم من خطف الإرهاب سالمين، لتعودوا إلى جيشكم وعائلاتكم وتشاركونا هذا الإنجاز التاريخي، إلاّ أن يد الإرهاب الوحشي خافت من الإيمان الراسخ بوطنكم». وقال: «أمام نعوشكم يتوجب الانحناء إجلالاً، لكننا دائماً وأبداً سنبقى مرفوعي الرأس بكم وبتضحياتكم، فأنتم وسام يُعَلَّقُ على صدور الضباط والرتباء والأفراد». ولفت إلى أن «أهداف عملية فجر الجرود تحققت»، متوجهاً إلى الجنوب بالقول: «تسابقتم إلى الميدان بإرادة قتال لا تُقْهَرْ، فكانت حرفيَّتكم وبسالتكم وبطولتكم، وكنتم تلك القوّة التي صنعت الانتصار واستعادت الأرض». وقال: «على رغم أهمية هذا الإنجاز التاريخي، لن ننسى ولن يسهى عن بالنا خلايا الإرهاب السرطانية النائمة، التي قد تسعى إلى الانتقام لهزيمتها وطردها بمختلف الأساليب وفي مقدّمها أسلوب الذئاب المنفردة، وهذا يتطلب منا البقاء متيقظين وحاضرين للتصدي لها والقضاء عليها». وخاطب أهالي العسكريين بالقول: «أبناؤكم الشهداء شركاء أساسيون في صنع الانتصار وتوحّد اللبنانيون حول الجيش وقدسية مهمته، فكانت معركة شريفة ونظيفة وبطولية». وأكد أن الأهالي «لم يفقدوا لحظة ثقتكم بالمؤسسة العسكرية». وأكد أنه «على رغم هذا الانتصار، لا تزال أمامنا تضحيات كبرى لا تقل أهمية عن دحرنا الإرهاب العالمي، فالجيش سينتشر من الآن وصاعداً على امتداد الحدود الشرقية للدفاع عنها. ويجب أن لا ننسى الإرهاب الأساسي والأهم الذي يتربَّص بحدود جنوبنا العزيز، ألا وهو العدو الإسرائيلي». وشدد على أنه «علينا الدفاع وحماية هذا التراب الغالي، حيث لا يمكن أن نكون حرّاس حدود للعدو الغاصب، ترفدنا في ذلك عزيمة لا تلين ولا تضعف، مدعومة من أركان الدولة، وفي مقدمهم رئيس البلاد، ومدعومة أيضاً من الشعب الذي ما كلَّ يوماً عن ممارسة حقه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، والالتفاف حول الجيش ودعمه إياه»، مؤكداً «التزامنا التام القرار 1701 ومندرجاته كافة والتعاون الأقصى مع القوات الدولية للحفاظ على استقرار الحدود الجنوبية». وقال: «رد الجيش سيكون هو نفسه على كل من يحاول العبث بالأمن والتطاول على السيادة الوطنية أو التعرض للسلم الأهلي وإرادة العيش المشترك. وسيكون على مسافة واحدة من مختلف الأطياف والفرقاء وفي جميع الاستحقاقات الدستورية، وفي أعلى الجاهزية للدفاع عن وطننا». عون: لتمتين وحدتنا واكد الرئيس عون أنها «محطة وطنية أخرى في تاريخنا، نقف فيها بإجلال أمام جثامين شهدائنا، ننحني أمام تضحياتِهم وشهداء استشهدوا في معركة أكملت مهمتهم فحررت الأرض». ولفت إلى أنها «محطة تمتزج فيها مشاعر الألم والحزن بمشاعر الفخر والاعتزاز والكرامة الوطنية». وأكد أن «شهداءنا واجهوا الخطر والتحديات بعزمٍ وإيمان غير آبهين بما ظلل تلك المرحلة من غموض في مواقف المسؤولين، سببت جراحاً في جسم الوطن، فوقعوا في يد الجماعات الإرهابية الطامعة باستباحة بلدنا كاملاً، وسقطوا شهداء أعزاء كباراً، شرفاء». وقال: «عهدي لكم أن دماء أبنائكم أمانة لدينا حتى تحقيق الأهداف التي استُشهد أبناؤكم من أجلها وجلاء كل الحقائق». وخاطب الجنود قائلاً: «جثامين شهدائكم يا أبناء الجيش هي شهادة للعالم على ما يدفعه لبنان ثمناً لمواجهاته الطويلة مع الإرهاب على مر السنين، ولإيمانه بأن روح الحق والاعتدال والسلام والانفتاح، أقوى من ظلمات الإرهابيين، وفكرهم المتطرف الداعي إلى العنف والإلغاء والوحشية سبيلاً لتحقيق أهدافهم الهدَّامة». وتوجه إلى اللبنانيين بالقول: «علينا تمتين وحدتنا الوطنية، ونبذ المصالح الضيقة على حساب مصلحة الوطن والشعب، والسعي لبناء وطن عصري، منفتح، وثري بتنوع أبنائه وغنى حضارته، تحقيقاً لأحلام شبابنا الذين كفروا بالانقسامات، والتراشق السياسي، والمشاكل المتوارثة من جيل إلى جيل». وأعلن عون، ان الشهداء هم «شهداء ساحة الشرف». وتوجه عون نحو أهالي الشهداء معزياً وكذلك فعل بري والحريري والصراف واللواء ابراهيم. وغادرت الجثامين ساحة العلم إلى ساحة رياض الصلح حيث خيمة العسكريين التي أكّد يوسف أن «لها حسابا آخر»، وقال ل «الحياة»: «اليوم كان عرس الشهداء لكن المشوار لم ينته بعد، فمحاسبة المتورطين بعملية خطف أبنائنا ستتم لا محالة». تعاز أميركية وإيطالية و مصرية الى ذلك، نكست السفارة الأميركية لدى لبنان العلم الأميركي على مباني السفارة. وغردت على حسابها في «تويتر»: تحيي السفارة الأميركية صمود الشعب اللبناني في مواجهة الإرهاب وتضحيات الجيش وإنجازاته في جعل لبنان آمناً لجميع اللبنانيين». وتوجهت بالتعزية إلى عائلات الشهداء والشعب اللبناني. وغردت السفارة الإيطالية على «تويتر» بالقول: «الإيطاليون قريبون جداً من الشعب اللبناني في هذا اليوم من الحداد الوطني. عاش لبنان وعاش الجيش اللبناني». وقدم السفير المصري نزيه النجاري تعازيه إلى لبنان «حكومة وشعباً». وعبر «عن تضامن مصر الكامل مع لبنان، والوقوف معاً في خندق واحد ونخوض ذات المعركة ضد الإرهاب والتطرف والكراهية».