جيمس واترسون، مؤرخ تتّسم كتاباته بالحياد واستخدام الأسلوب العلمي في البحث، تخرّج في جامعة لندن، كلية الدراسات الشرقية والإفريقية، ويعتبر كتابه «سيوف مقدسة» (ترجمة يعقوب عبدالرحمن، المركز القومي المصري للترجمة) منصفاً من وجهة نظر المسلمين. وله مؤلفات عدة، في التاريخ الإسلامي، منها «فرسان الإسلام» و «حروب المماليك». يشير واترسون إلى أن الحملة الصليبية الأولى بدأت بعد موعظة البابا أوربان الثاني التي ألقاها في وسط فرنسا في تشرين الثاني (نوفمبر) 1095م، فدعا الحضور إلى انتزاع السيطرة على القدس من أيدي المسلمين، قائلاً: «إن فرنسا اكتظت بالبشر، وإن أرض كنعان تفيض حليباً وعسلاً». وتحدث عن مشاكل العنف لدى النبلاء، لافتاً إلى أن الحل هو تحويل السيوف لخدمة الرب»، واستطرد: «دعوا اللصوص يصبحون فرساناً»، وتحدث عن العطايا في الأرض كما في السماء، بينما كان محو الخطايا مقدماً لكل من يموت أثناء الحملات الصليبية، في ما عرف بصكوك الغفران. وامتدت هذه الصكوك بعد ذلك لتُمنح لمن يشارك في الغزوات ضد مصر وشمال إفريقيا. وكانت الأوضاع مأسوية في معظم الإمارات الإسلامية، فكانت مصر بحلول سنوات الستينات من القرن الثاني عشر تدفع أتاوة للفرنجة فقط لتتحاشى غزوهم، ولم تكن الأوضاع في بلاد الشام أفضل، إذ إنها كانت في هذه الفترة تتألف من ممالك وإمارات صغيرة متفرقة ومتشاحنة. ولم يكن المسلمون في بلاد الشام مدركين أطماع الفرنجة على الإطلاق عندما بدأت جيوشهم تزحف نحو الشرق فوصلت إلى البوسفور عام 1099. وفي ظل هذه الظروف من التشرذم والانقسام التي كان يعيشها العالم العربي، وصل الصليبيون إلى بيت المقدس ودخلوها يوم 15 تموز (يوليو) 1099 بعد حصار استمرّ واحداً وأربعين يوماً، ولما لم تصل أي مساعدات إلى حامية القدس من مصر التي كان يحكمها الفاطميون - كانت دولتهم تتهاوى آنذاك- استطاع الصليبيون اقتحام المدينة بكل سهولة، واحتمى جنود الحامية الفاطمية بالمسجد بعدما قاوموا ما استطاعوا، وقد تبعهم الصليبيون داخل المسجد وذبحوهم بوحشية بالغة ونهبوا قبة الصخرة، وأسالوا بحراً من الدماء. وتم الاستيلاء على المدينة المقدسة وانتخاب جود فيري الفرنسي ملكاً عليها ومُنِح لقب «حامي قبر المسيح». وأشار ابن خلدون في كتابه «العبر وديوان المبتدأ والخبر» إلى أن الفرنجة استباحوا بيت المقدس وارتكبوا أشنع المجازر، وأقاموا في المدينة أسبوعاً ينهبون ويدمرون. وأحصى القتلى بالمساجد فقط من الأئمة والعلماء والعباد والزهاد المجاورين فكانوا سبعين ألفاً أو يزيدون. ومن المؤلم أن الأراضي المقدسة تمّ تحريرها بعد تضحيات باهظة من أبطال المسلمين، جاء بعدهم من تهاون في الدفاع عنها، بل فرّطوا بها مقابل أطماعهم الدنيوية الرخيصة. ومن المخجل أنهم كانوا من ذرية البطل صلاح الدين الأيوبي. واستمرت كراهية الغربيين للإسلام كامنة في نفوسهم حتى العصر الحديث، ولم يكن حديث الرئيس الأميركي جورج بوش عندما تحدث عن الحروب الصليبية مجرد زلة لسان، وكذلك ما قاله القائد البريطاني إدموند هنري اللنبي، عندما استولى على سورية وفلسطين في الحرب العالمية الأولى، وهو يرفع سيفه تجاه تمثال صلاح الدين الأيوبي قائلاً: «الآن انتهت الحروب الصليبية». ويتساءل واترسون: «من ينظر إلى الماضي من الممكن أن يستنتج لماذا اتخذنا صدام حسين عدواً، وفي المستقبل القريب يمكن أن تبحث صناعة السلاح في إحلال الإسلام محل الشيوعية - وهذا ما حدث بالفعل- وذلك للتيقن من إبقاء الصناعة على قيد الحياة». ووفق المؤلف، «مخطئ تماماً مَن يعتقد أن أحداث هذا الكتاب لا علاقة لها بالأحداث التي تجري اليوم في العالم العربي والإسلامي»، وكما يوضح المؤلف في الفصل الأخير، فإنها وثيقة الصلة بها، إن لم تكن من نتائجها أو امتداداً لها.