تغادر نسبة كبيرة من الحجاج السعودية بعد أداء مناسك الحج، يعودون إلى بلدانهم وقد استوفوا واجبات هذه الفريضة والركن الخامس من الإسلام، محملين بالشوق إليها، شاكرين الله تعالى. لكن نسبة منهم يشدون رحالهم إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، للسلام عليه وصاحبيه، وزيارة بقيعها وأحدها وشهدائها وقبائها، وبقية ما تضمه رفات تلك المدينة الطاهرة من المزارات. المدينةالمنورة هي الوجهة الثانية في ترتيب القلوب المؤمنة، لا يكتمل حجهم بدون المرور بها والمكوث فيها، ممن لم يحالفه الحظ لزيارتها قبل موسم الحج، وهو تقليد متخذ لدى حجاج إيران ومصر والشام، إذ تقلهم طائراتهم رأساً إلى المدينةالمنورة لقضاء بعض الوقت قبل الانطلاق إلى مكةالمكرمة بحلول موسم الحج، فإن نسبة منهم لا يفوتون فرصة جوار المدينةالمنورةبمكةالمكرمة، لزيارتها والتمتع بالنظر إلى معالمها والجلوس بأرضها الطيبة العامرة، وقدم نحو 900 ألف حاج إلى المدينةالمنورة خلال موسم ما قبل الحج، فيما يرجّح تدفق نحو 700 ألف من ضيوف الرحمن القادمين من المشاعر المقدسة بمكةالمكرمة بشكل متتابع خلال الأيام المقبلة. على خطى النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته من مسقط رأسه مكةالمكرمة، بعد بطش أهلها به، إلى المدينةالمنورة، التي سكن إليها وأحب أهلها ومكث فيها حتى وفاته، يسافر الحجاج مقتفين أثر الرحلة المحمدية الأولى، وكأنهم يعيدون شريط التاريخ في كل مرة، يسافرون شوقاً إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أدوا فريضة الحج وأنهوا النسك، وبقي من عمر الرحلة بقية لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. بشوق وحب لا يطاوله نسيان، ولا تبدده القرون التي مضت على انطلاق الهجرة الأولى، يتتبع المسلمون لحظة وصولهم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل آثاره وأمكنته التي انعقد فوق ترابها التاريخ وأشرقت منه الفضيلة المتبقية. 10 سنوات قضاها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بين ظهراني هذه المدينةالمنورة وأهلها الطيبين، كانت محل هجرته ومركزاً لانطلاق الدعوة الإسلامية إلى جميع أنحاء العالم، واختارها الله بالذات لأسبابٍ لا يعلمها إلاّّ هو، إذ تمتاز بتحصينٍ حربيّ طبيعي وأرض خصبة تغني عن غيرها، وكان سكانها من الأوس والخزرج يمتازون بالنخوة، والفروسيّة، والإباء، والحرية. يستحضر الحاج وهو يتنقل بين مناطق المدينة وأحيائها، وأزقتها ومعالمها، كل هذا التاريخ العريض الذي يرتبط به، ويشم عبق ذلك التاريخ الزكي الذي ينبعث من كل تفاصيلها. يقف العربي والأوزبكي والإنكليزي والإفريقي بتساوٍ لا يتكرر في موقع آخر أمام قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما بامتثال وخشوع، يجمعهم رباط الدين الوثيق الذي انطلق من أديم هذه الأرض، يتلون السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينطلق بهم المسير إلى مقبرة البقيع المحاذية لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يرقد 10 آلاف صحابي في بقيع الغرقد، وهي المقبرة الرئيسة لأهل المدينةالمنورة منذ عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ثم إلى قباء أول مسجد بني في الإسلام، إذ وضع النبي أساس المسجد، وقام بالمشاركة الشخصية في بنائه، وسارع الصحابة المهاجرون منهم والأنصار في إعماره. ثم جبل أحد المطل على المدينة المنوّرة، الذي شهد أحداث عدة بعد ظهور الإسلام، وله مكانته الدينية، وأسفل منه مقبرة الشهداء، وهي أحد أهم المعالم الإسلامية في المدينةالمنورة، تضم أجساد 70 من الصحابة الكرام الذين استشهدوا في غزوة أحد، ومنهم عم النبي حمزة بن عبدالمطلب. وسوى ذلك من المشاهد والمواقع التي لا يفوت الحاج والزائر إلى المدينةالمنورة المرور بها والوقوف عليها، مستحضراً ما يحتفظ به في ذاكرته من معلومات، وما يسعفه به قلبه من الحب والولاء لهذا الدين ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم. تعيش المدينة موسم حج آخر، يفد إليها المسلمون من كل بقاع الأرض، ويبدأ حجاج بيت الله الحرام، بعد إتمامهم شعائر الحج، وانتهائهم من زيارة مكةالمكرمة، بالانتقال إلى المدينةالمنورة، لزيارة المدينة التي احتضنت رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، لدى هجرته إليها. ويأتي الحجاج إلى المدينةالمنورة على شكل قوافل، إذ تكتظ المدينة بالزوار من الحجاج إذ يبدؤون رحلتهم بزيارة المسجد النبوي وقبور الصحابة. ويحرص الحجاج على إقامة الصلاة في الروضة الشريفة، الواقعة بين قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والمنبر، والتضرع بالدعاء إلى الله، إذ تشهد تلك المنطقة ازدحامات كبيرة بعد كل أذان. محمد خان (حاج باكستاني) للمرة الأولى يزور السعودية بغرض الحج، يرافقه بعض أقاربه ممن يعملون في السعودية منذ سنوات، يمكث الآن في المدينةالمنورة، بعد كل صلاة يذهب للسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصلي كل يوم ركعتين في الروضة الشريفة، إنها فضيلة عظيمة كما يقول، لا يمكن تفويت هذه الأيام المعدودة التي تبقت له في السعودية بغير عبادة الله والتقرب إليه والارتواء من أركان المسجد الذي شهد كل تفاصيل حياة النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبته الكرام. وتواصل مختلف القطاعات والأجهزة الحكومية والأهلية والخيرية بالمدينةالمنورة استقبال حجاج بيت الله الحرام، فيما دخلت الأعمال الميدانية والفنية لموسم ما بعد الحج حيّز التنفيذ في محاور الخدمية بدءاً باستقبال ضيوف الرحمن القادمين براً عبر طريق الهجرة السريع، وانسيابية وصول الحافلات إلى المنطقة المركزية ومناطق سكن الحجاج، واستكمال التجهيزات والمتطلبات التي تعني براحة الحجاج، ومتابعة وصولهم إلى مساكنهم بالتنسيق مع مكاتب الخدمة الميدانية. وتواكب ضيوف الرحمن القادمين من مكةالمكرمة منظومة خدمات تتولى تنفيذها والإشراف عليها جهات أمنية وخدمية عدة، بدءاً من النقاط الأمنية الدائمة والموقتة التي تم تهيئتها للحفاظ على الجانب الأمني وانسيابية حركة تدفق الحافلات عبر طريق الهجرة إلى المدينةالمنورة، كما تشمل تأمين المهام والفرق الطبية والإسعافية التي تقوم بها فرق مكلّفة من وزارة الصحة وهيئة الهلال الأحمر السعودي بالتنسيق المباشر مع مختلف الجهات الميدانية لاستقبال البلاغات عن الحالات الطارئة ومباشرتها، كما تعمل الفرق الميدانية التابعة لوزارة النقل والمواصلات على تهيئة الطرق ومتابعة سلامتها بشكل مستمر من خلال جولات ميدانية مستمرة للتأكد من سلامتها، في حين تتولى فرق تابعة لأمانة منطقة المدينةالمنورة بمتابعة المحطات الواقعة على طريق الهجرة السريع وتنفيذ جولات تفتيشية للتحقق من صلاحية وجودة الخدمات وسلامة المواد الغذائية، ومستوى النظافة بشكل عام. وتمثّل دقة مواعيد مغادرة الحجاج عبر المنافذ الجوية أحد أبرز الأعمال التي تنجزها الجهات الحكومية بالمدينةالمنورة خلال موسم ما بعد الحج، إذ تتولى الجهات ذات العلاقة بأعمال الحج على تفويج الحجاج إلى مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي بالمدينةالمنورة ومطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة للمغادرة إلى بلدانهم، وذلك عبر نظام إلكتروني مرتبط ببيانات مدخلة تشمل تأمين مواعيد وصول الحافلات، وتحديد زمن مغادرتها الفنادق والمساكن وانتقالها إلى المطار قبل وقت كافٍ من زمن مغادرة الرحلة الجوية، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لوصول الحجاج في المواعيد المحددة بما يكفل نجاح مرحلة التفويج في موسم ما بعد الحج، أسوة بالنجاح الذي تحقق خلال الموسم الأول. ويعدّ محور إسكان الحجاج أحد أهم المحاور التي تتولى جهات عدة متابعتها ميدانياً بشكل مستمر قبل وأثناء موسم الحج، للتحقق من سلامة المساكن إنشائياً، وفرض تطبيق أعلى معايير السلامة بما يتواءم مع الشروط التي حددتها، وأسهمت الجولات التفقدية الميدانية التي تقوم بها لجان الإسكان ولجان السلامة بالدفاع المدني في تأمين المتطلبات في الفنادق والدور السكنية المصرّح لها بإسكان ضيوف الرحمن.