يقول مصدر وزاري لبناني بارز إن من غير الجائز تحميل لبنان، من خلال رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري، المفاعيل الأمنية والسياسية لنقل «الدواعش» الذين ألحوا على طلب وقف النار للخروج من آخر بقعة لبنانية كانوا يحتلونها في الجزء اللبناني من جرود رأس بعلبك والقاع والفاكهة الى دير الزور في سورية. ويؤكد ل «الحياة» أن وحدات الجيش اللبناني تمكنت من محاصرتهم في هذه البقعة ولم يعد أمامهم سوى الاستسلام أو الرحيل منها الى داخل الأراضي السورية. ويلفت المصدر الوزاري الى أن قيادة الجيش اشترطت في مقابل موافقتها على وقف النار الكشف عن مصير العسكريين المختطفين لدى «داعش» وهذا ما حصل، ويقول إن رئيسي الجمهورية والحكومة توافقا على وقف النار من أجل خروج المسلحين، وهذا ما تولى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم نقله الى قيادة «حزب الله» والنظام في سورية من دون أن تدخل الدولة اللبنانية في التفاصيل المتعلقة بآلية نقلهم أو المكان الذي سيرحلون إليه. ويؤكد المصدر عينه أن الجيش اللبناني حقق انتصاراً في تحرير منطقة الجرود وأن الدولة اللبنانية لم تكن طرفاً في الصفقة التي أبرمها «حزب الله» مع النظام في سورية و «داعش». حتى أن أركانها نأوا بأنفسهم عن السؤال عن المكان الذي يتوجه إليه «الدواعش» في سورية وبقي موقفهم محصوراً في خروجهم من الجرود. ويرى أن إقحام الدولة اللبنانية في صفقة ترحيل «الدواعش» الى دير الزور التي أوقف تنفيذها التحالف الدولي غير منطقي، ويراد منه إشراك لبنان في تحمل وزر الرفض الدولي لنقلهم الى دير الزور التي تعتبر من المناطق الساخنة كونها تشكل نقطة اتصال مع الأراضي العراقية عبر الحسكة السورية. ويذكر المصدر الوزاري بأن محاولة إشراك لبنان في صفقة ترحيل «الدواعش» لقيت اعتراضاً من رئيس وزراء العراق حيدر العبادي الذي يفترض أن يكون حليفاً ل «حزب الله» وهذا ما أزعج قيادة الأخير بسبب وقوفه في العلن ضد الصفقة التي لم يكن على علم بها على رغم أنه من المعنيين بتنفيذها. ويعتقد أن مبادرة إيران الى توفير الغطاء السياسي لصفقة ترحيل «الدواعش» بذريعة أنه إجراء إنساني لم تخفف من الاعتراض العراقي، ولا من التساؤلات التي ما زالت تطرح حول كيف يوفق «حزب الله» ومعه حليفه النظام في سورية بين تصديهما للمجموعات الإرهابية والتكفيرية وبين توفير كل وسائل الراحة لنقل «الدواعش» ومعهم أفراد من عائلاتهم الى دير الزور؟ خصوصاً أن عملية ترحيلهم لم تكن الأولى ولا الأخيرة وكان سبق للحزب أن تولى نقل مجموعات من «جبهة النصرة» و «سرايا أهل الشام» من جرود عرسال الى مناطق عدة في سورية وبمواكبة أمنية من جيش النظام الذي كان أمّن للباصات التي تقل عناصرهما الممرات الآمنة من دون أن يصار الى استجواب أي مسؤول منهما أو مجرد الاستماع الى أقواله. ويتعامل المصدر الوزاري مع إصرار التحالف الدولي ممثلاً بالولايات المتحدة على إنذار القافلة التي تقل «الدواعش» من الوصول الى دير الزور على أنه بمثابة رسالة مباشرة الى النظام في سورية وفيها أنه لا يملك حرية التصرف بالقرار في داخل سورية، وهذا ما كان تبلغه سابقاً عندما فوجئ بالاتفاق الروسي- الأميركي الذي أدى الى جعل المنطقة الواقعة جنوب غربي سورية منطقة آمنة لا مجال فيها لاستئناف العمليات الحربية. ويضيف أن منع وحدات من جيش النظام في سورية من التقدم الى هذه المنطقة أو التمركز فيها ينطلق من موقعها الاستراتيجي المحاذي للحدود السورية- الأردنية والذي يطل في الوقت ذاته على منطقة الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل. ويقول إنه بات ممنوعاً على هذا النظام اللعب بالتوازنات الأمنية والعسكرية ذات البعدين الأمني والعسكري وإلا لماذا قررت موسكو وواشنطن قطع كل أشكال التواصل الذي كانت تخطط له طهران ليكون لها موقع قدم في هذه المنطقة عبر الحدود التي تربطها بالعراق. ويتابع المصدر الوزاري أن هذا «السيناريو» تكرر للمرة الثانية، إنما بواسطة التحالف الدولي الذي وجه صفعة للصفقة التي أبرمها «حزب الله» مع النظام في سورية وتتعلق بتأمين ممر آمن لقافلة «الدواعش» للوصول الى دير الزور. وفي هذا السياق يسأل المصدر لماذا انبرى العبادي الى الاحتجاج على نقل «الدواعش» الى دير الزور ولا يزال يصر على موقفه على رغم أن «حزب الله» استعان بأكثر من مسؤول عراقي في محاولة لصرف الأنظار عن موقف رئيس وزراء العراق ولتبيان ما حصل على أنه انتصار كبير للمقاومة على المجموعات الإرهابية والتكفيرية. ومع أن المصدر نفسه لا يعترض على فتح تحقيق لجلاء الحقيقة في كل ما يتعلق باختطاف العسكريين اللبنانيين في عرسال، فإنه في المقابل يدعو الى مراجعة المواقف التي كانت صدرت في أعقاب اختطافهم وحملت في معظمها اتهامات سياسية لرئيس الحكومة السابق تمام سلام و «تيار المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة الحالي، أقل ما قيل فيها إنهما من «الدواعش». ويغمز بدعوته هذه من قناة «التيار الوطني الحر» وقوى سياسية أخرى في «8 آذار»، ويرى أن عليهم الاعتذار من الرئيس سلام وأيضاً من «المستقبل» في ضوء ما احتوته صفقة نقل «الدواعش» الى دير الزور من تفاصيل، على رغم أن مواقف بعضهم كانت دعت من خلال المعركة التي خاضها الجيش اللبناني في الجرود الى ملاحقة قتلة العسكريين في البادية في سورية والاقتصاص منهم. ويسأل المصدر ما الذي تبدل بين الأمس، عندما دعا عدد من الوزراء الى التفاوض مع خاطفي العسكريين في عرسال للإفراج عنهم وذلك في جلسات لمجلس الوزراء إبان تولي سلام رئاسة الحكومة وقوبل برفض من «التيار الوطني» وبعض «قوى 8 آذار» بزعامة «حزب الله»، وبين اليوم الذي شهد التوصل الى صفقة لضمان أمن الإرهابيين وإيصالهم الى «دير الزور» بذريعة أنه من المرحمات التعرض الى عائلاتهم في حال تم القضاء على المجموعات الإرهابية؟ كما يسأل هل كان التفاوض بطلب من وزراء «14 آذار» في حكومة سلام مرفوضاً بذريعة أن لا تفاوض مع الإرهابيين وأن تهديدهم بقتل أي عسكري سيرد عليه بإعدام محكومين من هذه المجموعات مسجونين في سجن رومية، بينما أصبح مقبولاً وبضوء أخضر من النظام في سورية الذي لم يحرك ساكناً للتحقيق مع أبرز قادة «داعش» و «النصرة» ممن كانوا صنفوا سابقاً بأنهم يتزعمون المجموعات الإرهابية والتكفيرية؟ لذلك، فإن صفقة ترحيل «الدواعش» الى دير الزور والتي توقفت في منتصف الطريق تحت وطأة تهديد التحالف الدولي جاءت على خلاف المزاج الشعبي في لبنان بصرف النظر ما إذا كانت لها ارتدادات في داخل سورية أو لدى جمهور «حزب الله» باعتبار أنهم من أصحاب البصمات السوداء في تنفيذ عمليات انتحارية في أكثر من منطقة لبنانية أودت بحياة عشرات من الضحايا وأدت الى سقوط مئات الجرحى. وعليه هناك من يعتقد، كما يقول المصدر الوزاري، أن المعادلات الدولية والإقليمية التي ما زالت تتحكم بميزان القوى في الملعب السوري قد تدفع باتجاه غض النظر عن المحظورات واستباحتها بما يؤمن لهذا الفريق أو ذاك الاحتفاظ بأكثر عدد من الأوراق السياسية والأمنية بغية الاستقواء بها عندما تحين الفرصة للبحث الجدي في الحل السياسي للحرب في سورية. وبالنسبة الى فتح تحقيق، كما طالب رئيس الجمهورية، لتحديد المسؤولية في كل ما يتعلق باختطاف العسكريين، فإن جهات سياسية تبدي تفهمها وتأييدها لوجهة نظره، لكنها في المقابل لا تجد أي مانع يحول دون نشر محاضر جلسات مجلس الوزراء لحكومة سلام، وتحديداً تلك التي نوقشت فيها قضية اختطافهم والسبل الآيلة الى تحريرهم، إضافة الى المداولات التي تمت في هذا الخصوص في اجتماعات خلية الأزمة التي ترأسها في حينه سلام لعلها تؤدي الى إنصاف الأخير ومعه بعض الوزراء بعد حملات التجني التي استهدفتهم من جانب فريق معين لا يجد ما يقوله الآن في ضوء صفقة ترحيل «الدواعش».