تثير زيارة أوباما التاريخية الى الشرق الاوسط التي بدأها بالسعودية أمس، قلق المتطرفين من كل جانب، حتى اولئك الذين يفترض ان يباعد بينهم عداء مستحكم، نظرياً على الأقل. فيسارع وزير النقل الاسرائيلي كاتس المقرب من نتانياهو الى انتقاد المسعى الاميركي «للفوز بقلب» ايران و «القاعدة» والضغط العلني على سياسة الاستيطان الاسرائيلية، وينبري الرجلان الاول والثاني في تنظيم «القاعدة» بن لادن والظواهري لمهاجمة «المجرم الذي جاء يسعى عبر الخديعة للحصول على ما لم يتمكن من الحصول عليه ميدانياً»، ويتهم أحمدي نجاد واشنطن بالمسؤولية عن تفجير زاهدان ويتوعد بمواصلة «مقاومة الضغوط الدولية» في حال اعادة انتخابه رئيساً لإيران. وهذه الانتقادات والمواقف العدائية ليست نابعة فقط من تحفظ وقتي يستدعيه التغيير المفاجئ الحاصل في مقاربة واشنطن للمنطقة وعناصرها، بل تعكس التخبط الذي تعيشه هذه الاطراف بعدما بنت سياساتها طوال العقود الماضية ولا تزال، وترسم استراتيجيتها المستقبلية على أساس انحياز الولاياتالمتحدة المفرط او عداوتها المفرطة، بحيث يجعلها التحول الاميركي تعيش حال انعدام للوزن والاتجاه وقلق من تأثيره الكبير على صورتها ودورها. لقد شكّل الاميركيون على مدى سنوات الصراع في الشرق الاوسط، وخصوصاً منذ أواسط خمسينات القرن الماضي، الهدف الكبير الذي تسهل إصابته ونسبة كل المصائب اليه، واعتاد بعض أنظمة المنطقة ان يعلق على «مشجب» واشنطن أسباب فشله السياسي وذرائع نكساته العسكرية ودوافع انقلاباته الدامية ومعاملته الظالمة لمواطنيه وانكفائه عن الاهتمام بالتنمية وعجزه عن التفاهم سلماً مع محيطه وتقاعسه عن اللحاق بركب التقدم العلمي والتقني، الى درجة بات معها العداء للاميركيين مبرر وجود هذه الانظمة وشعارها الدائم لكل مناسبة. وحتى شعار «الممانعة» الذي رفعته قام على مجرد رفض السياسة الاميركية اكثر مما هو تعبير عن بدائل مطروحة. واستغلت اسرائيل من جانبها هذا الوضع فأمعنت في سياستها التوسعية والاستيطانية مستفيدة من تحميل الاميركيين اللوم عن كل ما تقوم به. اليوم جاء الى البيت الابيض من يقول ويُظهر ان اميركا تتغير، ويمكن ان تتغير اكثر اذا لقيت التجاوب الكافي، وانها ليست في حال عداء مع العرب والمسلمين، ولا في وضع تحالف أعمى مع اسرائيل، وانها تسعى الى حل يمنح الفلسطينيين دولتهم المستقلة لأن في ذلك مصلحة حيوية لأمنها القومي، ويخدم مصالحها ويقلص التهديدات الموجهة الى الانتشارين العسكري والمدني الاميركيين في الشرق الاوسط. لم يعد هناك «عدو» واضح وسهل الاستهداف. فسياسة اليد الممدودة تحرج التشدد، وتفكيك «المشجب» الاميركي عبر الانسحاب من العراق واتخاذ موقف حازم من الاستيطان الاسرائيلي والتشبث بحل الدولتين يسحب البساط من تحت ارجل الذين لا يلائمهم السلام والاستقرار في الشرق الاوسط، ويرون في بقاء التوتر مبرراً لوجودهم. ومع انه لا يزال من المبكر إصدار حكم مبرم ايجابي او سلبي على أداء ادارة اوباما، إلا ان بوادر انعكاساته على الرأي العام العربي تبدو مشجعة، حيث أظهر استطلاع للرأي ارتفاع شعبية الرئيس الاميركي بين العرب، وهو تطور يكفي لإقلاق «الممانعين» في المعسكرات المختلفة.