جغرافياً، تقع منطقة عفرين (كرداغ) في الزاوية الشمالية الغربية من سورية، طول حدودها مع تركيا يقارب 135 كيلومتراً وهو محمي بقوات عسكرية وهناك جدار عازل، أما جنوباً فتحدها بلدتا دارة عزة وآطمة التابعتان لمحافظة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، وشرقاً منطقة اعزاز التي تديرها الحكومة التركية والفصائل التابعة لها، وفي الجهة الجنوبية الشرقية، بلدتا نبل والزهراء اللتان تقعان تحت سيطرة كتائب «حزب الله» وإيران، وبلدة ديرجمال التي تسيطر عليها «قوات سورية الديموقراطية». أي أن عفرين مُحاطة من (تركيا وأعوانها، والنظام وحلفائه، وهيئة تحرير الشام-القاعدة)، وهي الآن ممر عبور للبضائع والمحروقات من اعزاز إلى إدلب، ولها منفذ الى مدينة حلب. تدير منطقة عفرين هيئة تنفيذية باسم الإدارة الذاتية وتحميها قوات الأسايش ووحدات حماية الشعب – الكردية، وما فتئت تتعرض لاعتداءات متكررة منذ أواسط عام 2012، من فصائل مسلحة وكتائب «النصرة» والقوات التركية. أما محافظة إدلب فشهدت على مدار ست سنوات مضت معارك ضارية وقصفاً جوياً عنيفاً، ولحقتها أضرار مادية وبشرية جمّة، ونُقل إليها آلاف المسلحين مع عوائلهم من مناطق سورية أخرى بعد إنجاز هدن ومصالحات مع النظام بوساطات تركية وقطرية وإيرانية، فباتت إدلب اليوم إمارة إسلامية يحكمها الجولاني الذي باركه أيمن الظواهري زعيم تنظيم «القاعدة»، حيث أنشئت فيها مراكز تجارية وإغاثية ومخيمات للاجئين ونقاط اتصال مع الخارج وممرات لتدفق الأسلحة، وتشكلت فيها فصائل إسلامية مسلحة متشددة. بعد تمدّد «داعش» في العراق وسورية ووقوع اعتداءات إرهابية خطيرة في أوروبا، تصدرت مسألة الإرهاب أولويات السياسات الدولية، اذ تشكل التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة الأميركية، فخاض حرباً ضد «داعش» في العراق، وهو يُضيّق الخناق عليه في سورية بدعم «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) التي تُشكل وحدات حماية الشعب YPG (الكردية) عمادها، كما أضعفت روسيا «جبهة النصرة» أو أنهت وجودها في بعض المناطق ودفعتها باتجاه التمركز في محافظة إدلب، تزامناً مع تمرير اتفاقات «مناطق خفض التصعيد» في مناطق أخرى. لدى انتهاء عمليات (درع الفرات) التي تَحدد نطاقها من جانب روسيا وأميركا، والتي حققت فيها تركيا إلى حدٍ ما غايتها بمنع التواصل بين مناطق عفرين وكوباني عبر ممرات تتحكم بها (قسد)، مع حجزها موطئ قدم في شمال سورية، بدأت أنقرة حشودها العسكرية وأفصحت عن نواياها بالقيام بعملية جديدة لاحتلال منطقة عفرين والشهباء – شمال حلب بذريعة القضاء على حزب الاتحاد الديموقراطي (الإرهابي)، هذا التوصيف الذي لم توافق عليه أميركا وروسيا ومجلس الأمن ولا أي دولة أوروبية، في وقتٍ لا يشكل الكيان الكردي (الإدارة الذاتية) – إن صح التعبير – في شمال سورية تهديداً للدول المجاورة. روسيا التي لها مركز في قرية كفرجنة – عفرين تضغط على الإدارة الذاتية في المنطقة لإجراء تفاهمات راسخة مع النظام تمهيداً لعودة مؤسساته الأمنية والعسكرية ولا تتلقى أجوبة مرضية، تغض النظر وتشعل الضوء الأخضر أحياناً لتركيا وأعوانها لشن هجمات متقطعة على مناطق قسد و YPG من دون قصف جوي، ولكن موسكو وواشنطن تدركان جيداً تبعات حملة عسكرية واسعة ضد عفرين، من النواحي السياسية والإنسانية والميدانية، وتأثيراتها المباشرة في عموم سورية والداخل التركي، ومدى سلبيتها على جهود الحرب على الإرهاب، ومن جهةٍ أخرى لا تثق روسيا تماماً بتركيا، فربما تُشكل قواتها خطراً على مناطق سيطرة قوات النظام وحلفائه – نبل والزهراء بالدرجة الأولى عندما تُصبح على مقربة منها. ولن تكون المعركة في عفرين نُزهةً، في وقتٍ تتمتع فيه وحدات YPG بحاضنة شعبية واسعة وهي تمتلك قدرات عسكرية وتتخذ إجراءات دفاعية مختلفة، مستفيدةً من الطبيعة الجبلية للمنطقة. عمليات دحر «داعش» في تقدم مستمر، وتدور الآن نقاشات ساخنة، خلف الكواليس بين روسياوتركيا وإيران بالدرجة الأولى، حول الوضع في محافظة إدلب وإمكان إبعاد «هيئة تحرير الشام» وخلق بدائل منها، كما أكدت أميركا أكثر من مرّة ضرورة محاربة القوى الإرهابية في إدلب. ووصفت إدلب بأنها أكبر تجمع ل «القاعدة» على مستوى العالم. في هذا السياق، ترغب أنقرة بضم ملف عفرين إلى ملف إدلب والتعامل معهما تحت عنوان «مكافحة الإرهاب»، في سعي محموم لإلغاء الدور والحضور الكرديين، وربما تصل لتفاهمات جدية مع طهران ودمشق بغطاء روسي حول ذلك. ومن جانب آخر في محاولةٍ لتجنيب «جبهة النصرة» عملية عسكرية ربما يحضر لها عدد من الدول، وخوفاً من أن تقع إدلب تحت سيطرة قوات حليفة ل (قسد) تقدمت تركيا بمقترح لتغيير بعض الشكليات والمسميات، متضمناً إيجاد اسم ودور جديد ل «هيئة تحرير الشام»، التنظيم المصنف على لائحة الإرهاب عالمياً وهو الأبعد من قبول حلول سياسية والتخلي عن مكتسباته. إذاً، عفرين وإدلب في واجهة الاهتمامات وفي عين العاصفة، على رغم الاختلاف الجوهري بين وضعيهما، اذ توضعان في بازار بين العواصم الفاعلة والمؤثرة.