يبدو أن التحدي الصيني لا يقلق الرئيس دونالد ترامب وحده، بل أنّه يمتد إلى أبعد من المؤسّسة السياسيّة الأميركيّة الرسميّة وسلطاتها وأجهزتها وتفرّعاتها. وفي قلب «وادي السيليكون»، حاضنة الابتكار في أميركا حاضراً، هناك شركات عملاقة في المعلوماتية والاتصالات تشارك ترامب قلقه، حتى قبل أن تعلن الصين خطّتها المتحديّة في الذكاء الاصطناعي. ثمة مجال للتفكير بأن تلك الشركات ارتاحت الى خطة ترامب القاضية بالتدقيق في ممارسات الصين في شؤون التجارة والابتكار والملكية الفكريّة، خصوصاً أنّ الشكوك حامت طويلاً (وما زالت) عن سرقة «هاكرز» صينيّين كميات كبيرة من براءات الاختراع المتعلّقة بعدد كبير من التقنيات والابتكارات العلميّة. والأرجح أنّ ذلك يخفف من حدّة تعارضها مع ترامب، على رغم أن التعارض وصل إلى إحدى ذراه أخيراً عبر انسحابات متوالية لرؤساء شركات تقنية كبرى من مجلس استشاري رئاسي عن التكنولوجيا، إلى درجة دفعت بترامب إلى حلّ ذلك المجلس وإلغائه في غرّة آب (أغسطس) 2017. سياسة «مفزعة» حيال الابتكار إذاً، هناك موقف ملتبس حيال ترامب بين شركات التقنيات الأميركيّة، يأتي أحد مصادره من القلق المستمر لتلك الشركات من الممارسات الصينيّة حيال ابتكاراتها واختراعاتها ومنتجاتها. وفي آذار (مارس) 2017، أصدرت مجموعة تكنولوجية أميركيّة تقريراً أعربت فيه عن اعتقادها بأنّ السياسات الصناعيّة والتجاريّة الصينيّة تستند إلى نزعة إعلاء المصلحة الخاصة وتمثّل تهديداً للنظام الاقتصادي والتجاري العالمي برمّته. واستطراداً، دعت تلك المجموعة من شركات «وادي السيليكون» إلى ممارسة ضغط دولي على الصين لإجبارها على إعادة «ضبط» سياستها. ولعل خطة ترامب القاضية بمراجعة الممارسات التجاريّة والصناعيّة للصين، تمثّل استجابة ربما لم تكن متوّقعة لتلك الدعوة! وآنذاك، تزامن تقرير الشركات الأميركيّة مع صدور وثيقة منفصلة عن «غرفة التجارة الأميركيّة» التي تتمتع بنفوذ وازن في المؤسّسة السياسيّة في واشنطن، تنتقد خطة بكين التي تحمل شعار «صنع في الصين 2025». وتهدف الخطّة إلى زيادة كبيرة في المنتجات المصنّعة محليّاً في عشر قطاعات تمتدّ من الروبوت إلى الأدوية الحيويّة. وبذا، تضافرت ضعوط الشركات «القلقة» الأميركيّة مع توجّهات مماثلة في «غرفة التجارة»، ما جعلهما جزءاً من كوكبة متنامية من «جماعات الضغط» ( اللوبي) تجارية لدول كثيرة تعترض على خطط بكين. كذلك تقلق تلك الدول، خصوصاً أوروبا واليابان، من الدعم الحكومي الصيني الواسع الذي يخشون أنّه يترك آثاراً عميقة في واشنطن نفسها، إضافة إلى مساهمته في تقويض التنافس الحرّ بين الشركات الغربيّة واليابانيّة من جهة والشركات الصينيّة من الجهة الأخرى. وصدر تقرير الشركات المشار إليه آنفاً، عن مجموعة «إنفورميشن تكنولوجي آند إنوفيشن فاوندايشن» Information Technology & Innovation Foundation (اختصاراً ITIF «آي تي آي أف») المعنية بسياسات أميركا في التكنولوجيا. ولاحظ أنّ سياسات الصين تحمل تهديداً للنظام الاقتصادي والتجاري العالمي بأكمله. وأشار إلى أنّ جهود الإدارات الأميركيّة الثلاث السابقة في فتح نقاش مع المسؤولين الصينيّين حول ذلك الأمر باءت بالفشل. وأشار إلى أنّ عدم اعتماد الصين اقتصاديّاً على الولاياتالمتحدة، يعني أنّ واشنطن ليست لديها القدرة الكافية منفردة لمواجهة بكين وخططها. وأضاف: «لا يمكن أميركا الردّ على ذلك عبر مهادنة ضعيفة أو حمائيّة اقتصاديّة ... يجب عليها أن تشكّل تحالفاً دوليّاً يضغط على الصين كي تتوقّف عن التلاعب بالأسواق، وتبدأ التنافس وفق شروط عادلة»، وفق كلمات التقرير. ويعرف عن مجموعة «آي تي آي أف» أنّها مؤسّسة بحثيّة مقرها واشنطن، وتشمل عضوية مجلسها ممثلين عن كبريات الشركات في «وادي السيليكون» ك «آلفابيت» («غوغل» سابقاً) و «آبل» و «آمازون» و «سيسكو سيستمز» و «إنتل» وغيرها. وحض تقرير «آي تي آي أف» أستراليا وكندا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الولايات المتّحدة، على الضغط على الصين كي تعمل على «إعادة ضبط أسس السياسة الاقتصاديّة لديها». وأضاف أنّ السياسة التجارية للرئيس ترامب يجب أن تركز على الصين بدلاً من المكسيك، محذراً من قدرة الحكومة الصينيّة على الردّ عبر فرض عقوبات غير متوقّعة على الشركات الأميركيّة والأوروبيّة.