الأرجح أن إخفاق الرئيس الشعبوي دونالد ترامب في إلغاء خطة «أوباما كير» في الرعاية الصحيّة، شكّل فشلاً مدوّياً في المئة يوم الأولى من ولايته. وفي حملته الانتخابيّة، أزبد وأرغى في شأن قدرته على إلغاء تلك الخطة التي وضعها الرئيس الديموقراطي السابق باراك أوباما، بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض. ثم ضاع الزبد هباءً، ولم يبق فشله حتى في إقناع الحزب الجمهوري في الكونغرس بتبني موقفه من «أوباما كير»! وكأنما هو نمط في الأداء، إذ تكرّرت الصورة عينها مع الصين التي رسمها ترامب عدواً لدوداً أولاً لأميركا فلا يتقدّم شيء على أولويّة النزال والصراع معها. وما كاد أن يصبح رئيساً ثم يصافح نظيره الصيني تشي جينبينغ، حتى ذاب التهويل، كقطعة زبدة في مقلاة حامية! وصل الأمر إلى حدّ أنه رفض استقبال مكالمة هاتفيّة من رئيسة تايوان كي لا يغضب بينغ الذي وصفه ترامب ب «الرئيس الإيجابي»، ما يعني تبنيّاً عمليّاً لسياسة «صين واحدة» التي رسمها سلفه أوباما. إذاً، ليست مجازفة كبرى القول بأنّه سيسقط في الفخ مجدداً، ويلتزم بخطة أوباما حيال الصين في شأن الحرب السبرانيّة بين البلدين على الانترنت. وفي العام 2015، توصّل أوباما إلى اتّفاق مع بينغ بوقف تلك الحرب واستبدالها بهيئة مشترك بين قيادتي جيشيهما الإلكترونيّ تستبدل المعارك بالمناورات المشتركة على الفضاء الافتراضي للإنترنت. ربط التجارة بالحرب آنذاك، ربط أوباما تلك الحرب مع خطط صينيّة رمت إلى فرض قواعد مربِكَة على شركات المعلوماتيّة الأميركيّة. ودعا بكين إلى تغيير سياستها كي تدعم نمو الأعمال والتجارة مع الولاياتالمتحدة، ممهداً لاتفاقه مع نظيره الصيني بينغ. وتضمّنت المفاوضات بين الرئيسيّن خطط بكين لوضع قانون واسع النطاق لمكافحة الإرهاب، يتضمّن إلزام شركات التكنولوجيا بتسليم نسخة من مفاتيح الشِفرات المستخدمة في حماية البيانات، إضافة إلى وضع «ثغرات» أمنية في النُظُم الرقميّة لتلك الشركات، ما يتيح للسلطات الصينية مراقبتها! إذ اعتبرت الصين تلك الطلبات ضرورية لحماية أسرار الدولة والمؤسّسات، فيما رأت الشركات الغربية أنها تزيد صعوبة إجراء نشاطات تجارية في الصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد عالميّاً، إضافة إلى أنها تفاقِم حال اعدام الثقة بين واشنطنوبكين في أمن المعلوماتيّة وشبكاتها. وآنذاك، أعدّت «مؤتمر الشعب الوطني» (= البرلمان الصيني) مسودة لقانون تضمّن إلزام الشركات الغربيّة بالإبقاء على خوادمها داخل الصين، مع ما تحمله من بيانات عن الجمهور، إضافة إلى إعطاء السلطات الصينيّة سجّلات عن الاتصالات التي تتولاها تلك الشركات. وفي المقابل، اعتبر أوباما المسوّدة «استسلاماً لآليات سيطرة الحكومة الصينيّة عبر تمكينها من الوصول إلى معلومات عن جمهور الشركات واتصالاته». كذلك أعرب أوباما عن اعتقاده بأن تلك الأمور ربما ترتد عكسيّاً على الصين نفسها، مشيراً إلى أن القيود الصارمة تضر بالاقتصاد الصيني على المدى الطويل، مع ملاحظة أن لا حكومة اخرى تفرض قيوداً مُشابِهَة. تفاوض ناجح آنذاك أيضاً، وصفت الصين قانونها في شأن لمكافحة الإرهاب بأنه حيوي ويشمل الفضاء الإلكتروني، بل اعتبرته من شؤونها الداخلية البحتة. ولم يثن ذلك إدارة أوباما عن سعيها لربط قانون مكافحة الإرهاب الصيني، بالمفاوضات عن الحرب السبرانيّة بين البلدين التي تكاد لا تكف، بل كانت مستمرة منذ بدايات انتشار الانترنت عالميّاً. وفي مثال على التفاوض، نفت آنذاك وزارة الدفاع الصينية صلتها بهجوم الكتروني على موقع أميركي على الانترنت رجّح «مكتب التحقيقات الفيدرالي» («إف بي آي») أن يكون الجيش الصيني وراءه. وشمل الهجوم موقع «ريجستر. كوم» Register.com المختص بإدارة أسماء ملايين المواقع الشبكيّة، وهو تابع لموقع «ويب.كوم» web.com الذي يعتبر جزءاً من البنية التحتيّة العالميّة للانترنت. ربما لم يركّز الإعلام كثيراً على بقاء ترامب مخفقاً تحت سقف الإنجاز الذي حقّقه سلفه أوباما، لكن الألياف الضوئيّة للإنترنت شهدت إخفاقاً ضخماً لترامب أمام الصين وأوباما سويّة، في المئة يوم الأولى للرئيس الشعبوي المتخبّط!