حجبت تطورات الساعات الأخيرة في عملية «فجر الجرود» التي يخوضها الجيش اللبناني ضد تنظيم «داعش» الإرهابي لاسترداد الجزء اللبناني من الأراضي التي تتواجد فيها المجموعات الإرهابية في جرود القاع ورأس بعلبك والفاكهة، الأنظار عن محطتين أساسيتين ستكون لهما مفاعيلهما على المشهد السياسي العام في البلد: الأولى لقاء المصارحة والمصالحة بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط بعد طول انقطاع تم خلاله تبادل الحملات السياسية والإعلامية بين الفريقين، والثانية زيارة القيادي في «تيار المردة» الوزير السابق يوسف سعادة لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في مقره في معراب. وعلمت «الحياة» من مصادر مواكبة للأجواء التي سادت لقاء الحريري- جنبلاط أن لديهما إرادة قاطعة في طي صفحة الخلاف إفساحاً في المجال أمام معاودة تطبيع العلاقة بين «تيار المستقبل» والحزب «التقدمي الاشتراكي». وكشفت المصادر المواكبة نفسها أن مجموعة من النقاط، وبعضها خلافية، أثيرت في لقاء المصارحة في حضور تيمور وليد جنبلاط والنائب وائل أبو فاعور والوزير غطاس خوري، وعددت من أبرزها: - تأكيد وقف تبادل الحملات السياسية والإعلامية بما فيها تلك التي تصدر عن الطرفين عبر «تويتر»، وإبلاغ مسؤولي «المستقبل» و «التقدمي» بهذا الاتفاق، ما يعني توقف الحملات أكانت مباشرة أو غير مباشرة. - أبدى «اللقاء الديموقراطي» مجموعة من الملاحظات على إدارة الحكومة لملف الكهرباء، لكن يمكن التعامل معها بإيجابية لأن لا نية لدى «التقدمي» بإعاقة تنفيذ رغبة الرئيس الحريري في إطلاق مشروعه لرفع مستوى الإفادة من التغذية من التيار الكهربائي، على أن لا يعني موقف «اللقاء الديموقراطي» أنه في وارد الدخول في خلاف سياسي مع رئيس الحكومة، خصوصاً أنه كانت له ملاحظات أثناء تولي الرئيس الراحل رفيق الحريري رئاسة عدد من الحكومات لكنها لم تدفع ولا مرة في اتجاه الدخول في خلاف سياسي يصعب تخطيه أو تجاوزه. - احتلت العلاقة بين «اللقاء الديموقراطي» ورئيس الجمهورية ميشال عون، ومن خلال «التيار الوطني الحر» حيزاً من النقاش على قاعدة تفهم جنبلاط للعلاقة القائمة بين الحريري وبين الأخير، لكنه أبدى مآخذ منها أنهما يتعاطيان إلى حد ما «بعدائية» غير مبررة مع «اللقاء الديموقراطي» الذي يحرص على وحدة الجبل وتحصين المصالحة فيه والحفاظ على العيش المشترك بين الدروز والمسيحيين. وفي هذا السياق علمت «الحياة» أن «التيار الوطني» بدأ يتحسس، من دون أي مبرر، من العلاقة التي أخذت تتطور تدريجياً بين «اللقاء الديموقراطي» و «القوات اللبنانية» وأخذ يتصرف في معظم المحطات السياسية، وكأن هناك تحالفاً بينهما مع أن «التقدمي» لم يقفل ولا مرة الباب أمام التواصل مع «التيار الوطني» على رغم أن ردود فعله حيال ما يحصل في الجبل «لم تكن مستحبة، وكنا في غنى عنها». ولفتت المصادر المواكبة إلى أن المشكلة بحسب «اللقاء الديموقراطي» لم تكن بينه وبين «التيار الوطني» على خلفية العلاقة مع «القوات» إنما في أداء الأخير من خلال مسؤوليه الذين يتصرفون وكأنهم وحدهم من يملك القرار ويحاولون فرض «الشراكة» على الآخرين من فوق. واعتبرت المصادر أن لقاء المصالحة أسقط رهان البعض على أن العلاقة بين «المستقبل» و «اللقاء الديموقراطي» وصلت إلى طريق مسدود وأن إمكان التحالف بينهما في الانتخابات النيابية بات مستحيلاً؟ وقالت أنه فتح الباب على مصراعيه أمام إعادة التواصل من جهة وتأكيد التحالف السياسي من جهة ثانية، لأن ليس في مقدور أحدهما أن يستغني عن الآخر. وبالنسبة إلى لقاء سعادة وجعجع، فتوقفت المصادر المواكبة أمام زيارة سعادة معراب، وسألت ما إذا كانت هذه الزيارة هي بمثابة مؤشر أول إلى رفع مستوى التواصل بين «المردة» و«القوات» الذي كان يتولاه طوني الشدياق نيابة عن الأخير ويتواصل باستمرار مع قيادة «المردة»؟ وتتعامل المصادر مع هذا اللقاء «المميز» على أنه من ضمن لقاءات التواصل والتنسيق التي لم تنقطع، وإن كانت من موقع الخلاف، حول عدد من القضايا، سواء تلك التي تتعلق بالموقف من النظام في سورية أم بمشاركة «حزب الله» في القتال في سورية وسلاحه في داخل لبنان. وترى أن ما ينطبق على التواصل بين «القوات» و «المردة» على قاعدة تنظيم الخلاف ينسحب أيضاً على علاقة «القوات» ب «التيار الوطني الحر» والتي كانت نقاط الخلاف حولها حاضرة في إعلان النيات بينهما. لكنها في المقابل تتحدث عن مجموعة من نقاط التلاقي في مجلس الوزراء بين وزراء «القوات» وممثل «المردة» في الحكومة يوسف فينيانوس حول ملف الكهرباء وبعض النقاط الواردة في قانون الانتخاب. وتؤكد أن لا مانع من الدخول في تطبيع العلاقة بين الطرفين على قاعدة طي صفحة الخلاف وفتح الباب أمام تكثيف التواصل، وتقول إن أهمية هذه اللقاءات، وتحديداً زيارة سعادة التي كشف عنها «المردة»، تكمن في تحضير الأجواء لدى قاعدتي الطرفين، في حال سمحت الظروف بالتوصل إلى تفاهم لئلا يسقط من فوق. وتعتقد أن لا مانع من التفاهم بين الطرفين، خصوصاً أن الساحة المسيحية تتميز بالتعددية السياسية ما يعني أن لا ثوابت نهائية في التحالفات أو في التفاهمات. وأن الثابت النهائي في لبنان يكمن في تحالف الثنائي الشيعي أي حركة «أمل» و «حزب الله». وتقول إنه من السابق لأوانه إقحام التواصل بين الطرفين في التحضير الفوري لورقة تفاهم أو إعلان النيات، وتقول إن من غير الجائز حرق المراحل والتكهن منذ الآن بأنهما في وارد الإعداد للوصول إلى تحالف انتخابي مع أن علاقة «المردة» ب «التيار الوطني» ليست على أحسن ما يرام، وفيها الكثير من الشوائب والمطبات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى علاقة الأخير ب «القوات» التي تطغى عليها أجواء مكهربة بسبب الخلاف على ملف الكهرباء لكن التواصل بينهما قائم ولم ينقطع.