لم يخف رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط مخاوفه من احتمال قيام اسرائيل بشن حرب على لبنان في العام المقبل تملي عليه منذ الآن المبادرة الى اتخاذ خطوات عملية باتجاه تصحيح علاقته بسورية باعتبارها الوحيدة القادرة على حماية الدروز من تداعيات هذه الحرب في حال حصولها. ونقل محازبون كانوا في عداد الحلقة الحزبية الضيقة التي جمعتهم ورئيس «التقدمي» عن الأخير قوله انه آن الأوان لإجراء مراجعة شاملة لمواقفه السياسية، «بعدما كنت السبّاق الى التأكيد قبل اسابيع من موعد إجراء الانتخابات النيابية في لبنان، ان الانتخابات تشكل مرحلة مهمة في تاريخ لبنان لكن الأهم هو ما بعد الانتخابات لحماية الوحدة الوطنية وتحقيق المصالحة التي هي الأساس في تثبيت القضية العربية الوطنية واحتضان القضية الكبرى اي قضية فلسطين». وأكد المحازبون ان جنبلاط أراد من هذا اللقاء الحزبي توضيح مواقفه في محاولة لاستيعاب رد فعل الكوادر الحزبية التي فوجئت بالمواقف التي أعلنها امام الجمعية العمومية التنظيمية للحزب التقدمي الأحد الماضي وخصوصاً بالنسبة الى خروجه من تحالف قوى 14 آذار من دون ان يخرج من تحالفه مع زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. وإذ أكد محازبو جنبلاط ان جماهير 14 آذار عندما نزلت الى الشارع لم تتحرك استجابة لقياداتها فحسب وإنما ارادت التعبير عن تأييدها واحتضانها للشعارات السياسية التي رفعتها في جميع المناسبات التي تحركت من أجلها، اعتبر رئيس «التقدمي» في المقابل ان السيادة والاستقلال تحققا، وأن التحالف كان مطلوباً لمرحلة سياسية معينة، وأن هذه الصيغة التي قام عليها التحالف لم تعد صالحة لكل المراحل «وبتنا في حاجة الى اعادة النظر في تموضعنا السياسي». ولم يخل لقاء جنبلاط بمحازبيه من طرحهم مجموعة من الأسئلة عن الأسباب التي أملت عليه الخروج من تحالف قوى 14 آذار وبالتالي اعتراضهم على الأسلوب الذي اتبعه للابتعاد عن حلفائه. وشدد جنبلاط امامهم على مخاوفه من إعداد إسرائيل لشن حرب على لبنان العام المقبل. وفي هذا السياق، نقل المحازبون عن جنبلاط قوله ان الاستعداد لمواجهة احتمال شن اسرائيل حرباً على لبنان يتطلب اول ما يتطلب إجراء مراجعة سياسية لاستخلاص العبر ورسم العناوين الرئيسة للمرحلة المقبلة. ورأى جنبلاط انه سيكون لهذه الحرب في حال حصولها تداعيات على الصعيد الداخلي في لبنان أبرزها اضطرار «حزب الله» باعتباره يشكل رأس حربة في مواجهة العدوان الى التمدد باتجاه مناطق لبنانية غير موجود فيها بالأساس لحماية وجوده السياسي، «وهذا يستدعي منا التعامل بمرونة وانفتاح وتجاوز ما حصل من إشكالات بهذا الشأن في عدوان تموز (يوليو) 2006». ولفت الى ان «التقدمي» لن يخسر من انفتاحه حتى لو لم تحصل هذه الحرب وسيكون اول من بادر الى تطبيع علاقته بالشيعة في ضوء ما أعلنه استباقاً لوقوع الحرب الإسرائيلية على لبنان، بدلاً من الدخول في صدام سياسي معهم من خلال الاحتكاك السلبي ب «حزب الله». وأضاف جنبلاط انه يدعو «تيار المستقبل» الى الانفتاح على «حزب الله» وأن تواصل امينه العام السيد حسن نصر الله مع الحريري يجب ان يبقى قائماً لتبديد أجواء الاحتقان بين السنة والشيعة من جهة ولقطع الطريق على اية تداعيات يمكن ان تسهم في تأزيم العلاقة بينهما لما سيترتب عليها من آثار سلبية لا تخدم الرغبة في تحصين جبهتنا الداخلية لمواجهة كل الاحتمالات. الفرز المذهبي وتابع انه مع تفاهم الحريري والسيد حسن نصر الله لما له من ايجابيات في تحقيق الانفراج في العلاقات اللبنانية - اللبنانية، مشيراً الى ضرورة عدم التعاطي مع دعوته هذه وكأنه يخطط لقيام حلف إسلامي في وجه المسيحيين أو استهدافهم في التسوية الداخلية بمقدار ما انه ينطلق في تحوله السياسي من ان السنة والشيعة خصوصاً يتواجدون في اماكن مختلطة وأن من غير الجائز الاستمرار في الفرز المذهبي والطائفي خوفاً من ان تتحول هذه الأماكن الى خطوط تماس بكل ما للكلمة من معنى. وبكلام آخر، رأى جنبلاط انه «ليس مع تواطؤ المسلمين في ما بينهم ضد المسيحيين لكن على الجميع ان يعرف ان من يده في النار ليست كمن يده في الماء وهذا ما يفسر دعوتي الى تفاهم الحريري مع الشيعة». لكن جنبلاط وهو يستمع الى ملاحظات محازبيه في شأن انتقاله السريع من موقع سياسي الى آخر من دون مقدمات، أو بالأحرى أخذه المبادرة الى تحضير الأجواء على صعيدي الحزب والطائفة الدرزية لئلا تحدث مواقفه صدمة أظهرت الجميع وكأنهم فوجئوا بهذا التحول بدلاً من ان تكون موضع نقاش على خلفية ما لديه من مخاوف لا بد من التقليل من أخطارها على الدروز، لم يتوقف عن توجيه انتقادات ضد حليفيه السابقين رئيس «حزب الكتائب» الرئيس امين الجميل وقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع. ولم تخل هذه الانتقادات من الحدة، وأحياناً كانت لاذعة. وساد جو من المصارحة على لقاء جنبلاط بعدد من الكوادر الحزبية، وشدد رئيس «التقدمي» خلاله على تحالفه مع الحريري وعدم التخلي عنه، لأنه لا يريد ان يتركه «أسير مواقف جعجع أو بعض الأطراف المسيحيين»، مشيراً في الوقت نفسه الى «تمدد القوات في الشوف وتنامي المجموعات الإسلامية المتشددة في إقليمالخروب». وسئل جنبلاط عما اذا كانت الفرصة متاحة للوصول الى تفاهم بين «حزب الله» و «تيار المستقبل» ومدى استعداد الحزب لذلك، وبقي جوابه في إطار التمني باعتبار ان البديل من التفاهم سيكون جولة جديدة من التأزم الطائفي والمذهبي. كما ان جنبلاط وكما يقول المحازبون انفسهم، يقلل من التأثير السلبي لخروجه من قوى 14 آذار على عملية تأليف الحكومة، مؤكداً ان ولادة الحكومة الجديدة «ستتم ولن تتأثر بمواقفي طالما انني لست في وارد التخلي عن تحالفي مع الحريري وبالتالي لا مجال لإحداث تغيير في المعادلة المتفق عليها لتأليف الحكومة». واعتبر ان من دواعي تفاؤله بقرب تأليف الحكومة إصرار سورية والمملكة العربية السعودية على تفاهمهما في شأن التأليف وأن لا مبرر للقلق ما دامت العلاقة بينهما تسير بخطوات باتجاه التطبيع، ولن تعود الى الوراء. أضف الى ذلك، ان جنبلاط لا يتهرب من مسؤوليته إزاء ما حصل من تداعيات في 7 أيار (مايو) 2008 لكنه يحذّر من العودة إليها ويرى انه آن الأوان للمضي في استيعاب ما خلفته من رواسب أمنية وسياسية. ولا يؤيد جنبلاط الرأي القائل إن قراره إعادة النظر في تموضعه السياسي سيضعف من النتائج المرجوة من زيارة الحريري دمشق بعد تأليف الحكومة، ليس لأنه سيزورها في اعقاب إتمام زيارة رئيس الحكومة، وإنما لأنه باق على قراره بعدم التفريط بتحالفه معه وضرورة توفير الحماية له ورفضه التفكير بالانفصال عنه. وعليه، فإن جنبلاط حسم أمره واختار لنفسه ان لا يصوت في مجلس الوزراء خلافاً لموقف الشيعة ومن خلالهم سورية في القضايا الاستراتيجية الكبرى من ناحية والوقوف الى جانب الحريري، من ناحية أخرى، في الأمور الداخلية حتى لو احتاج التصديق عليها التصويت في داخل الحكومة.