بدأت المفاوضات في شأن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة تقترب من دائرة الحسم، ويرتقب ان تظهر نتائجها في الساعات المقبلة التي قد تحمل بشائر سارة بإعلان ولادتها قبل غد الثلثاء موعد الجلسة التي حددها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لانتخاب رؤساء ومقرري وأعضاء اللجان النيابية وإلا سيكون مصيرها التأجيل. وينتظر الحسم الآن الجواب النهائي لرئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون على واحد من الاقتراحات التي قدمها إليه الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري في اجتماعهما أول من امس في الرابية والتي تضمنت الحقائب الوزارية التي ستعطى لتكتل التغيير. وفيما توقعت مصادر سياسية مواكبة للقاء الرابية ان يعقد لقاء ثان في أي لحظة بين الحريري وعون يخصص لاطلاع الأول من الأخير على جوابه النهائي بخصوص اختياره لواحد من المقترحات التي تعتبر بمثابة بدائل لتخلي عون عن حقيبة الاتصالات، شهد الجبل امس مصالحة بين الحزبين «التقدمي الاشتراكي» و «السوري القومي الاجتماعي» رعاها رئيسا الحزبين وليد جنبلاط وأسعد حردان وأُقيمت في بلدة صوفر، وهي الثانية منذ حوادث 7 ايار (مايو) 2008 بعد مصالحة «التقدمي» و «حزب الله». وتأتي المصالحة بين التقدمي والسوري القومي الاجتماعي لتؤكد ان الساحة السياسية اللبنانية بدأت تدخل في عملية إعادة خلط الأوراق السياسية بعد التحول الذي بادر إليه جنبلاط في خطابه الذي ألقاه في 2 آب (اغسطس) الماضي امام الجمعية العمومية الاستثنائية لحزبه والذي خرج بموجبه من تحالف «قوى 14 آذار» مع الإبقاء على تحالفه مع زعيم الأكثرية رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري. وأشاد حردان وجنبلاط في كلمتيهما بالدور السوري في المنطقة. وبالعودة الى جولة المفاوضات التي عقدت مساء اول من امس بين الحريري وعون، قالت مصادر سياسية مواكبة لها ل «الحياة» ان الأول عرض على عون أكثر من تصور (سلة متكاملة) لمشاركته في الحكومة العتيدة، على ان يختار واحداً منها، باعتبار ان هناك صعوبة في ان ينتقي من كل منها ما يريده لما سيترتب عليه من العودة في توزيع الحقائب الوزارية الى نقطة الصفر. وكشفت المصادر ان عون تلقى «التصورات» التي تتضمن البدائل المطروحة لتخليه عن «الاتصالات»، وأنه وعد بدراستها، وهو استدعى لهذه الغاية وفور انتهاء الاجتماع معظم اركان «التيار الوطني الحر» و «تكتل التغيير» وعلى رأسهم وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل الذي تواصل ليل أول من امس مع المعاونين السياسيين لرئيس المجلس النيابي في حركة «أمل» النائب علي حسن خليل، وللأمين العام ل «حزب الله» حسين خليل، لإطلاعهما على أجواء لقاء الحريري وعون. وأكدت المصادر ان باسيل أبلغ «الخليلين» بأن النقاش مستمر بين الحريري وعون الذي يدرس الاقتراحات التي عرضها عليه الرئيس المكلف تمهيداً للإجابة عليها في الساعات المقبلة. ونقلت مصادر في المعارضة عن احد القياديين في «التيار الوطني» قوله ان الاقتراحات التي قدمها الحريري جاءت بعد عدم توصله وعون الى تفاهم على اقتراح اولي. ولفتت المصادر نفسها الى ان اقتراحات الحريري الجديدة دفعت باتجاه تكثيف تواصله مع عون، مشيرة في الوقت نفسه الى ان هذه الاقتراحات تضمنت أكثر من بديل لتخلي عون عن «الاتصالات». وإذ أكدت هذه المصادر ان عون طالب بوزارة الأشغال كبديل من الاتصالات، قالت مصادر أخرى ان رئيس «التقدمي» أوحى امام عدد من الحضور الذين كانوا في استقباله لدى زيارته قبل ظهر امس الشيخ ابو سليمان حسيب الصايغ في مسقطه في بلدة معصريتي (قضاء عاليه) بأن هناك من يقترح عليه الموافقة على إسناد «الاتصالات» الى «اللقاء النيابي الديموقراطي» لقاء تخليه عن الأشغال لعون. ونقل حضور عن جنبلاط انه لا يحبذ تسلم كتلته وزارة الاتصالات وأنه لا يزال يصر على تمسكه ب «الأشغال» باعتبارها حقيبة خدماتية من الدرجة الأولى اضافة الى انه لا يريد ان يقحم الحزب «التقدمي» و «اللقاء الديموقراطي» في متاهات الاتصالات. ومع ان جنبلاط بدا متردداً في الموافقة على الاتصالات لمصلحة إسناد الأشغال لعون، فإنه سيحسم هذه المسألة في اجتماعه المرتقب مع الرئيس المكلف الذي تلتزم أوساطه الصمت وترفض التعليق على كل ما يمت بصلة الى الأجواء التي سادت اجتماعه بعون خصوصاً ان للبحث بينهما صلة لمتابعة المشاورات من اجل التوصل الى تفاهم يدفع باتجاه الإسراع بتشكيل الحكومة. وأكدت الأوساط نفسها انها ليست طرفاً في عملية توزيع الحقائب التي تبقى خاضعة لتعاون الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من ناحية ولمشاورات يجريها الحريري مع الكتل النيابية الرئيسة في البرلمان من ناحية أخرى. لكن المصادر المواكبة رأت ان الإسراع في توفير الظروف لولادة الحكومة يتطلب ان يبادر بعض الأطراف الى الاقتداء بموقف زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي عبر عنه اخيراً بعدم تمسكه بتمثيل كتلته النيابية بحقيبة وزارية والرامي من خلاله الى تسهيل تأليف الحكومة «انطلاقاً من إحساسه بأن التضحية مطلوبة من الجميع وأن التنازلات المتبادلة ضرورية للقاء هذا الفريق مع الآخر في منتصف الطريق». واعتبرت المصادر عينها ان «من يطالب الآخر بالتضحية عليه ان يبدأ بنفسه أولاً وإلا ما معنى الحديث عن الاستعداد لتقديم التنازلات طالما يصر على إعفاء نفسه منها؟». ورأت ان عون «يسعى لتحسين شروطه في الحكومة وأنه يطالب تارة بالعدل وأخرى بالأشغال مع ان بعض العروض التي قدمت إليه جاءت سخية كي يصرف النظر عن مطالبته بالاتصالات». ولفتت الى ان عون «يحاول الإفادة من الأجواء العربية والدولية الضاغطة باتجاه ضرورة الإسراع في تأليف الحكومة»، وقالت: «لا يخفى عليه الموقف السوري في هذا المجال لكنه يحاول كسب الوقت من خلال دخوله في مفاوضات ماراثونية علّه ينجح في ان يتجاوز تحسين شروطه للحصول على حصة وزارية دسمة من خلال الحقائب التي يطالب بها بدلاً من ان يتعامل بواقعية، مع ان اياً من الاقتراحات التي عُرضت عليه لا يهمش تكتل التغيير أو التيار الوطني في الحكومة، بل كلها تحفظ له موقعاً مميزاً بين المسيحيين»، علماً ان عون يربط تخليه عن الاتصالات بموافقته على البدائل التي تُطرح عليه، لا سيما ان الاتصالات ما زالت «حاضرة» في هذا المجال، ولم تكن الأساس في العروض التي يجرى التداول فيها.