مع عودة زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة اللبنانية المكلف سعد الحريري المرتقبة في أي لحظة الى بيروت بعد إجازة «سياسية وعائلية» أمضاها في جنوبفرنسا، يبدأ العد العكسي لإطلاق جولة جديدة من المشاورات التي كان بدأها مع الأطراف السياسية الرئيسة لوضع تأليف الحكومة على نار حامية، وهي مشاورات لن تغيب عنها الارتدادات السياسية المترتبة على المواقف التي أعلنها رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط الأحد الماضي في اجتماع استثنائي للجمعية العمومية ل «الحزب التقدمي الاشتراكي» والتي شكلت انعطافاً في تموضعه السياسي لجهة تأكيد خروجه من تحالفه مع «قوى 14 آذار» من دون الانفصال عن تحالفه مع الحريري. لكن الحريري لن يستكمل مشاوراته في شأن تشكيل الحكومة العتيدة، تحديداً مع «تكتل التغيير والإصلاح» برئاسة زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون قبل ان يعقد لقاء مصارحة مع جنبلاط الذي فاجأه في مواقفه الأخيرة، باعتبار انه المدخل الذي يتوج فيه رئيس الحكومة المكلف مراجعته لعناوين المرحلة السياسية المقبلة لتبيان حقيقة ما يتردد على لسان قيادات في الأقلية من ان تحول رئيس «التقدمي» في مواقفه سيترك تداعيات يجب ان تؤخذ في الاعتبار مع وضع اللمسات الأخيرة للإسراع في ولادة الحكومة الجديدة. وفي المقابل، استبعدت مصادر قيادية في «التقدمي» ان يكون لمواقف جنبلاط تأثير على المسار المتفق عليه لتأليف الحكومة لاسيما بالنسبة الى القواعد المتبعة بخصوص توزيع الوزراء بإعطاء 15 وزيراً لقوى 14 آذار و10 وزراء للأقلية واحتفاظ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان بحقه بتسمية 5 وزراء، ما يتيح له ان يلعب الدور الوازن في مجلس الوزراء. وأكدت المصادر نفسها ان «من يراهن على حصول تبدل في قواعد تأليف الحكومة، سرعان ما سيكتشف أن رهانه ليس في محله وأن لقاء المكاشفة المرتقب بين الحريري وجنبلاط سيقطع الطريق على من يحاول ان يوحي بأن تشكيل الحكومة هو الآن امام معادلة جديدة مختلفة عما كان اتفق عليه». وأعربت عن تفاؤلها «بردم الهوة» بين الحريري وجنبلاط انطلاقاً من مواكبتها للاتصالات الجارية «بعيداً من الإعلام والمدعومة بجهد فوق العادة من جانب المملكة العربية السعودية تمثل بإيفاد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وزير الإعلام والثقافة السعودي عبدالعزيز خوجة الى بيروت». وقالت ان تفاؤلها «لا يأتي من فراغ ولا ينم عن رغبة فحسب وإنما يستند الى معطيات» تدفعها الى التأكيد ان تحالف الحريري – جنبلاط باق ولن يتأثر بالمواقف التي صدرت عن الأخير. إلا ان مصادر مواكبة لموجة التفاؤل التي أخذ يبثها أكثر من مسؤول في «التقدمي» في شأن ما سيؤول إليه لقاء المصارحة بين الحريري وجنبلاط، سألت عما اذا كانا بالفعل سيتوصلان الى تجديد تحالفهما او ان يكون البديل التفاهم على صيغة للتعايش من شأنها ان تقود الى تجميد الخلافات في ضوء فك جنبلاط ارتباطه بالأطراف المسيحيين في 14 آذار، خلافاً لموقف الحريري الذي يصر على التحالف معهم ولا يرى مبرراً للانقلاب عليهم، لذلك فإن للقاء المكاشفة بين الحريري وجنبلاط تأثيراً مباشراً على المشاورات التي سيستكملها الأول خصوصاً مع عون الذي لن يبدل مواقفه من مطالبته بتمثيل «تكتل التغيير» ب 5 حقائب، بينها حقيبة سيادية، فيما المصادر المقربة من «المستقبل» ما زالت على صمتها رافضة الدخول في سجال مع جنبلاط وكأنها وضعت نفسها منذ الآن في حال ترقب ريثما يعقد لقاء المصارحة الذي من شأنه ان يحدد أبرز المعالم السياسية للمرحلة المقبلة. وكان جنبلاط عبّر امام مجموعة من الحزبيين عن مخاوفه من احتمال قيام إسرائيل بشن حرب على لبنان في العام المقبل تملي عليه منذ الآن المبادرة الى اتخاذ خطوات عملية باتجاه تصحيح علاقته بسورية باعتبارها الوحيدة القادرة على حماية الدروز من تداعيات هذه الحرب في حال حصولها.