النظرة إلى الآخر المختلف تتكوّن من حادثة بسيطة: يغسل تلميذ أفغاني رجليه في مغسلة اليدين، داخل غرفته في منامة طلاب، في «المدينة الجامعية» في باريس. ينتقل الخبر إلى لبنان، على لسان طالب لبناني يتحدّث مع أمه عبر الهاتف، أن الأفغان لا يكترثون للنظافة لأن فلاناً فعل كذا وكذا. وإذا نظر الطالب اللبناني إلى غرفته، التي تشبه غرفة الأفغاني، ووجد أن ليس فيها إلاّ مغسلة، والحمّام مشترك، يقع في آخر الردهة، وفكّر قليلاً في «حلّ» زميله الأفغاني، لوجده حلّاً «عملياً». والتساؤل الثاني، في هذا السياق، هو: ترى ماذا يكون موقف اللبناني لو رأى كندياً يفعل الفعلة نفسها؟ الرأي في الآخر المختلف يصبح حاداً ومؤذياً ويفضي إلى ارتكابات قاتلة، مثلما حصل في الولاياتالمتحدة والعالم، إثر أحداث 11 أيلول (سبتمبر). أصبح المسلمون موضع تشكيك. وأقيمت مؤتمرات حول «صراع» الحضارات والثقافات، كان ينبغي أن تكون قائمة، أصلاً. وازداد فضول بعضهم للتعرّف إلى الإسلام والمسلمين. والمضحك، أحياناً كثيرة، إذا انتبهنا إلى الطريقة التي نتحدث فيها عن الآخرين، استخدام صيغة «مع أنه...»، أو «ولكنه...»، كأن يقال عن أشرف أنه «مهذّب جداً مع أنه سمكري»، أو عن زبيدة أنها «قريبة إلى القلب وخدومة مع أنها طبيية»... وقياساً على ذلك قد نسمع يوماً من يشير إلى فلان بأنه «إرهابي مع أنه آدمي!». من مساوئ كثيرين من البشر، أنهم متى كوّنوا نظرة عن بشر آخرين، بقوا عليها طويلاً. واستعصى عليهم تغييرها، ولو شهدوا على تصرفات تنفيها. في ما يلي مثال عن تكوّن النظرة إلى الآخرين في مهدها، منذ أيام الأعراب: «حكي أن رجلاً كان في سفر، فضّل عن الطريق، فرأى بيتاً في الفلاة، فأتاه فإذا فيه أعرابيّة، فلما رأته قالت من تكون؟ قال ضيفاً. قالت أهلاً ومرحباً بالضيف، انزل على الرحب والسعة. فنزل الرجل فقدمت له الأعرابية طعاماً فأكل، وماءً فشرب. أقبل صاحب البيت، فقال من هذا؟ فقالت ضيفاً. فقال لا أهلاً ولا مرحباً، ما لنا وللضيف، فلما سمع الرجل كلامه ركب من ساعته وسار. فلما كان من الغد، رأى بيتاً في الفلاة فقصده فإذا فيه أعرابيّة فلما رأته قالت من تكون؟ قال ضيفاً. قالت لا أهلاً ولا مرحباً بالضيف، ما لنا وللضيف. أقبل صاحب البيت فلما رآه قال من هذا؟ قالت ضيفاً. قال مرحباً وأهلاً بالضيف ثم أتى للرجل بطعام وماء، فتذكر الرجل ما مر به بالأمس فتبسم. فقال ممَّ تبسمك؟ فقصّ عليه ما اتفق له مع تلك الأعرابيّة وبعلها، وما سمعه منه ومن زوجته، فقال لا تعجب إن تلك الأعرابيّة التي رأيتها هي أختي، وإن بعلها أخو امرأتي هذه، فغلب على كل طبع أهله». * معالجة مسألة الرأي في الآخرين من اليمن والمغرب والسعودية والعراق ومصر - رأي اليمنيين في بعضهم بعضاً أشد قسوة - علي سالم - آخر ما يمكن نعت المغاربة به البخل: شبهة بأهل الشمال وسوس - نادية بنسلام - «الصعايدة» يحرّكون الجبال... هل كل الأميركيين أذكياء؟ - عبدالواحد الأنصاري - الأفكار المسبقة زيادة في الحرص لأن «سوء الظن من حسن الفطن» - عدي حاتم - النكات المصرية تبدأ بالصعيدي ولا تنتهي ... في الهند - أمينة خيري