عبّر عدد من المثقفين والمهتمين بالحراك الثقافي عن استياءهم من البرنامج المصاحب لمعرض الرياض الدولي للكتاب الذي ينطلق في آذار (مارس) المقبل. وتساءلوا عن الآلية التي تحكم اختيارات اللجنة الثقافية في المعرض للأسماء والمشاركين في الفعاليات، مشيرين إلى ما أثير حول عدم إعطاء الفرصة للمبدعين من جيل الشباب للمشاركة في البرنامج إلا بنسب ضئيلة. وأشار هؤلاء في استطلاع ل«الحياة» إلى تكرار بعض الأسماء في عضوية اللجنة الثقافية لعامين وثلاثة أعوام متتالية، إضافة إلى ما يصفه البعض بالتحيز والمناطقية في تكرار وجود أسماء من محافظات بعينها على حساب مناطق ومحافظات أخرى. كما أبدى بعض المثقفين استغرابهم من اقتصار اللجنة على أسماء بعينها من أساتذة بعض الجامعات من دون غيرها. وقال الروائي أحمد الدويحي: «فجعت بما جاء في البرنامج المعد لفعاليات معرض الكتاب لهذا العام، باعتباره من أهم الأحداث الثقافية التي ينتظرها الناس في مدينة الرياض بالذات، والمثقفون في كل مناطق المملكة كحراك ثقافي ننتظره ليمحو الراكد. فالمعارض تظاهرة ثقافية في كل عواصم العالم لمجتمعاتها، وليس محصوراً في بيع وشراء الكتاب الذي تعد السوق المحلية الشرائية هدفاً للناشر العربي يسعى إليه، ولكون المعرض يقام في العاصمة ويصبح هدفاً للمواطن، يقصده للشراء ولحضور الفعاليات الثقافية المصاحبة للمعرض». وبمطالعة قائمة الأسماء المشاركة في الفعاليات المرتقبة، يتضح أن لا مناص من كارثة المجاملات والمحسوبية التي طالت مفاصل الفعل الثقافي، فالمثقف الذي يئس من مؤسسات ثقافية حقيقة ممثلة في الأندية الأدبية، منتخبة تؤدي دورها بشفافية نحو فعل ثقافي، ينبع من الناس ويتجه لهم»، مشيراً إلى دور اللجنة المنظمة «الذي ترك أثره في ذلك»، لافتاً إلى أن اللجنة المنظمة «التي تخضع للوزارة بسلطتها، وتمدها على كل أطياف المجتمع الثقافي، تمارس الانتقائية الصاخبة في اختيار المواضيع والأسماء لفعاليتها المنتظرة»، مضيفاً أن هناك أسئلة «لا بد من طرحها، إذ أطل على المشهد الذي سيفتقد التنوع إلا بعض الأسماء». وأبدى الدويحي استغرابه «فلا أعرف ما معنى أن تكون هناك أسماء لعمداء وأساتذة في جامعة الملك سعود، أعرف أن أكثرهم ليس لهم أي نشاط ثقافي خارج معاملهم ومدرجات الجامعة، ودعوني صامت لأن ما أعرفه مر ومؤلم، ولا أعرف لماذا التوسل لرجال الفضائيات ليلاحقونا حتى في فعاليات المعرض، ولا أعرف لأي سبب تشارك كاتبة، حسبت لها في أربعة أشهر فقط خمس أمسيات في خمس أندية أدبية، ولا أعرف لماذا لا يكون للأجناس الأدبية والنقد حضور مكثف، ليشارك الشباب والكبار من الجنسين. كل ما هناك أمسيتان واحدة شعرية والأخرى قصصية يزج في كل واحدة بعشرات الأسماء، علماً بأن المعرض مدته عشرة أيام»، مؤكداً أنه يمكن إقامة عشرات الأمسيات «متى كان التنظيم متجاوزاً لتلك المحسوبية والدعوات المجانية»، متسائلاً عن سبب تغيب الرواية «وهي الجنس الأدبي الباسط حضوره في العقود الأخير بقوة، ويصدر في كل موسم أكثر من 80 رواية في الداخل والخارج». واختتم حديثه بتساؤل: «أين نحن من المتغيرات والقضايا الثقافية، التي تبسط حضورها باستمرار رضينا أم أبينا؟». أما الشاعر إبراهيم الوافي فيرى أن مثل هذه الندوات والأمسيات (التقليدية) لا تزال تتخذ الشكل العمومي، «بمعنى أنه يمكن تنفيذها في أي وقت من أوقات العام، وليست هناك علاقة بينها وبين فعاليات المعرض، ونحن بهذا نهدر فرصة ثمينة جداً في استغلال هذه التظاهرة السنوية من أجل مباشرة قضايا مهمة، شائكة ومتراتبة متعلقة بالنشر والعلاقة المرتبكة بين المؤلف والناشر وسوق الكتاب لدينا. فالكتاب الذي يحضر بقوة شرائية مميزة أيام المعرض يغيب تماماً عن مكتباتنا العامة، وأنا أعني بذلك الكتاب المفسوح تداوله من رقابة المطبوعات، فالناشر يشكو من عزوف السوق، والمؤلف المحبط جداً يفتقد كتابه في مراكز الكتاب لدينا، وبالتالي ظلت هذه القضية معلقة منذ سنوات دون أن تباشر في ندوات أو محاضرات، وليست هناك بيئة مؤثرة لمباشرة هذه القضايا مثل مصاحبتها لفعاليات معرض الكتاب. كذلك سأفترض أن أيام المعرض يمكن أن تتزامن مع مؤتمر دولي خاص بنشر الكتاب يجب العمل عليه، ودعوة القطاع الخاص للمشاركة فيها. وأثق حينها أننا سنحظى بمبادرات مؤثرة، ولنا تجربة حية في هذا من خلال المؤتمر الدولي الأول للجودة في التعليم، والذي حظي بمبادرات متنوعة ومؤثرة من القطاع الخاص، إذا بعيداً عن نوعية الفعاليات وقيمتها، تظل في هيئتها العامة أقرب منها للترفيه عن التأثير، وهذه إشكالية كبرى أحاطت بالفعاليات قبل بدئها». في ما يرى الشاعر محمد زايد الألمعي أن بعض الأسماء المدعوة جيّدة في الغالب ولا غبار عليها، «إلاّ أن بعض العناوين تعتبر غامضة، أو على الأقل كان على المنظمين وضع محاور أكثر مساساً بالأسئلة الراهنة التي يختلط فيها الثقافي بالاقتصادي والسياسي، ومنها ذلك المناخ الذي يصنعه حدث المعرض كل عام من السجالات والممانعات، وتحوله إلى فضاء لخريطة الفرز الاجتماعي والثقافي للمزاج العام». وحول تكرر أسماء أعضاء اللجنة الثقافية، لا يرى رئيس نادي أبها سابقا مانعاً «إذا أدت دورها التخطيطي واللوجستي بكفاءة»، مفضلاً التخطيط «لفعاليّات متوازية يختلف المستهدفون فيها وتقام في نفس الوقت في أماكن عدة، كأن تكون هناك فعاليات إبداعية وفنيّة وأكاديميّة وعلميّة، واقتصاديّة ...الخ، في رأي أن التخطيط الشبكي هو الأجدى في مثل هذه المناسبة، كما أرى أن يكون هناك اتفاق تسويقي مع فنادق وشركات الطيران بمنح خصومات مجزية للراغبين في الحضور من غير المدمجين في البرنامج الرئيسي، في برنامج مفتوح وحرّ، لمشاركة من يرغب في قراءة قصائده أو نصوصه، أو يقدم رؤية أو ورقة ما، بحيث يتخذ القرار حولها وتجدول مباشرة في نفس اليوم، وهذا من شأنه أن يعطي فرصة للمنظمين لاستقصاء أسماء ربما تضيف إلى البرامج الأساسيّة مستقبلاً الشيء الكثير». وقال الألمعي إنه «مثلما تأخذ الجامعات والمؤسسات الثقافيّة مساحة لعرض مطبوعاتها، فما المانع من إعطائها فرصة لتقديم نشاط ثقافي ما، وحتى دور النشر نفسها ما المانع أن تنظم فعاليات لها علاقة بمطبوعاتها وكتّابها، بعبارة أخرى يجب النظر إلى الفعاليات الثقافيّة في المعرض كنشاط أساسي، يقدم الثقافة والكاتب والكتاب والرأي والإبداع بكل وسيلة».