بات زعيم المعارضة نواز شريف السياسي الأكثر شعبية في باكستان، بعدما تحدى قراراً بوضعه قيد الإقامة الجبرية وقاد مسيرة ناجحة، أرغمت الحكومة على إعادة رئيس المحكمة العليا القاضي افتخاري تشودري الى منصبه. وفيما تنهي إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في الأسبوع الحالي مراجعتها للاستراتيجية التي ستنتهجها حيال المنطقة، أثار الصعود المفاجئ لرئيس الوزراء السابق تساؤلاً ملحاً: هل يمكن لشريف (59 سنة)، وهو سياسي شعبوي قريب من الأحزاب الإسلامية، ان يكون شريكاً يُعتمد عليه؟ أم انه سيستغل شعبيته لكبح الحملة التي يشنها الجيش ضد متمردي حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة»؟ وكان شريف الذي شغل مرتين رئاسة الوزراء، سعى إلى تطبيق الشريعة في باكستان عام 1999، وأجرى تجربة نووية، كما اتهمه معارضوه بانتهاج سلوك غير ديموقراطي خلال حكمه أواخر تسعينات القرن العشرين. وأثار تاريخ شريف مناخاً من الارتياب في باكستانوالولاياتالمتحدة، وشكوكاً لدى عدد من المعنيين بأنه قريب جداً من الإسلاميين المحافظين المتعاطفين مع «طالبان»، ما يجعله غير مؤهل لقيادة معركة ضد المتشددين. ويقول مؤيدو شريف ومحللون انه أصبح سياسياً أكثر نضجاً وحكمة بعد ثماني سنوات من المنفى في المملكة العربية السعودية ولندن، وانه متلهف لإثبات ان بإمكانه العمل مع واشنطن والمشاركة في وضع مقاربة عملية لإحلال الاستقرار في باكستان. ويعتبر مؤيدو شريف ومعارضوه، انه جعل نفسه زعيماً سياسياً لا يمكن لواشنطن ان تتجاهله بعد الآن. ويتصدّر شريف الآن الحلبة السياسية في باكستان، بعدما أظهرت المسيرة التي قادها مدى الاستياء من حكومة الرئيس آصف علي زرداري الذي يبدو عاجزاً عن رص صفوف الباكستانيين لمحاربة المتشددين. وبات شريف مرشحاً لرئاسة الوزراء، إذا تآكل في شكل كامل الدعم الشعبي المتداعي لحكومة زرداري. وقال السناتور انور بيغ، وهو أحد الأعضاء الساخطين في «حزب الشعب الباكستاني» الحاكم الذي يتزعمه زرداري: «إذا أرادت واشنطن أن تحتضن باكستان، فمن الأهمية بمكان أن تقوم بذلك مع دعم شعبي. ثمة ادراك في واشنطن انه (شريف) الرجل الذي يجب أن نتحدث إليه». وسيُحدث ذلك تغييراً في الوضع، ذلك ان إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش نأت بنفسها عن شريف بعد عودته الى بلاده من المنفى أواخر العام 2007، واختارت بدلاً من ذلك التوسط في اتفاق لتقاسم السلطة بين الرئيس السابق برويز مشرف ورئيسة الوزراء الراحلة بينظير بوتو. واعتُبرت بوتو وحزبها الأكثر علمانية، حلفاء أكثر قابلية للانقياد بالنسبة الى واشنطن. وأقام زرداري الذي تزعم «حزب الشعب الباكستاني» بعد اغتيال بوتو عام 2007، ومشرف تحالفات خاصة مع الأحزاب الدينية. لكن علاقات حزب «الرابطة الإسلامية» الذي يتزعمه شريف مع الإسلاميين أثارت شكوكاً أكثر عمقاً، خصوصاً ارتباطه بأحزاب أدارت مدارس «خرّجت» مسلحين لحركة «طالبان». لكن ديبلوماسيين ومحللين يعتبرون ان علاقة شريف بالأحزاب الإسلامية يمكن ان تُشكل الآن مصدر قوة، فيما تحاول واشنطن الحصول على دعم باكستان في محاربة المتشددين. ويقول السفير الأميركي السابق في إسلام آباد روبرت أوكلي: «نحتاج مساندة السعودية والأحزاب الإسلامية الأكثر اعتدالاً، خصوصاً الجماعة الإسلامية، إذا اردنا ان ندجّن الجهاديين. ان المكانة الجيدة لشريف لديهم، مهمة جداً». أما السفيرة الباكستانية السابقة في واشنطن مليحة لودهي، فاعتبرت ان بُعد شريف من الولاياتالمتحدة «يجعله شريكاً ذات مصداقية بالنسبة الى الباكستانيين». لكن شريف يرى في الانطباع السائد في واشنطن بأنه قريب جداً من الإسلاميين، دعاية روجها منافسوه السياسيون، مذكّراً بعلاقته الوثيقة بالرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون ودعمه الولاياتالمتحدة في حرب الخليج عام 1991. وأشار شريف الى التشابه بين مقاربته حول كيفية التعامل مع المتشددين، وتلك التي تناقشها الإدارة الأميركية حالياً. وكان المحامون في باكستان تحركوا طيلة سنتين دفاعاً عن تشودري، لكن الحكومة لم تذعن إلا بعدما دعم شريف المتظاهرين، مُحضراً معه الجماعة الإسلامية. ويقول اعتزاز إحسان الذي تزعّم تحرك المحامين، إن الولاياتالمتحدة لن تجد صعوبة في محاورة شريف. ويضيف: «إذا صادقته، يمكنك أن تجعله ينقل جبالاً».