لقد انتصرت ثورة مصر، ومثل هذا الانتصار سيكون له تأثير قوي في العالم العربي في السنوات المقبلة، والأمنيات أن يكون ذلك الدفع بدول ديموقراطية حرة حقيقية بعيداً من الدول الشمولية، أو دول العسكر التي ابتدأها نظام انقلاب الضباط الأحرار في مصر في منتصف القرن الماضي، لقد أدخلتنا تلك الحركة أو الانقلاب، التي سميت ثورة بعد ذلك، في مرحلة نظام العسكر الذين يطلقون على حركاتهم تلك بعض الصفات، كالتصحيحية أو الثورية، والحقيقة أنهم أسسوا لنظم فردية مقيتة لا يزال عالمنا العربي يدفع مغامرات تلك الأنظمة. حدوث هذا البركان والثورة في مصر هو في البداية انقلاب وتصحيح لمسار التجربة المصرية قبل حركة الضباط الأحرار، فمصر تحت النظام الملكي كانت دولة تتمتع بأشكال من الدولة الليبرالية من حيث حرية الأحزاب وتداول السلطة وحرية الإعلام، ومن يحب أن يقرأ التعدد والاختلاف في مصر قبل الانقلاب يمكنه الرجوع إلى صحف ومجلات تلك المرحلة ليطلع على مساحة الحرية في تلك الفترة في جميع المجالات، أعرف أن الرجوع إلى ذلك الشكل من النظام السياسي في مصر لا يمكن حدوثه لأن الشعب المصري، وفي فترات متلاحقة من تجربة الناصرية، آمن بثورية نظامه، ولكن الغريب الآن أن ما تطالب به الشعوب العربية هو الليبرالية بمعناها السياسي والثقافي والاقتصادي التي أقصتها النظم الجمهورية في عالمنا العربي، بل إن الحال في بعض هذه الأنظمة إن انقلبت على وجهها الثوري، إذ نجد مشاريع التوريث قد تمت في بعضها، وكان مخططاً لها في البعض الآخر قبل الثورة المصرية. يمكن القول إن التجربتين التونسية والمصرية وما سيحدث بعدهما من انتقال للتجربة لبعض الدول العربية سيشكل منطقتنا لأعوام مقبلة، وأزعم أننا مقبلون على تجربة ديموقراطية حقيقية تحمي من الجيوش العربية، قد تقترب أو تبتعد نوعاً ما من المثال التركي، فمشكلة الأنظمة العربية في غالبها لا يوجد لها شرعية في مجتمعاتها وهي تدعي أوجها للشرعية غير قابلة للتصديق وتجيش آلياتها الإعلامية والسياسية لترسيخ شرعية مزيفة في الأعم، أما ما حدث في تونس ومصر وما سوف يلي ذلك فإن شرعية الأنظمة المقبلة مستمدة من شرعية شعبية ثورية، اتفقنا معها أو لم نتفق، فالأنظمة التي في مرحلة التشكل لا يمكن المزايدة عليها من المؤسسات العسكرية والدينية أو أحزاب المعارضة التقليدية، والأخيرة في اعتقادي كانت جزءاً من النظام العربي البالي الذي استطاع أن يتكيف مع أحزاب المعارضة تلك، بل إنها كانت في بعض الدول العربية جزءاً من النظام بشكل غير مباشر. نعم يوجد الكثير من الشرفاء في المعارضة في الدول العربية، ولكن الأنظمة الشمولية استطاعت أن تطوعهم لمصلحتها وبطرق عدة، وهذا ما دلت عليه الثورة المصرية خصوصاً، إذ إن الأحزاب السياسية في المعارضة لم تستطع أن تلعب دوراً مهماً في مرحلة الفراغ السياسي التي عاشتها مصر أخيراً بل إن المستقلين السياسيين كان لهم حضور في هذه التجربة. لنكن واقعيين ونقول إن حركة الإخوان، وعلى رغم حظرها من النظام الحاكم منذ بداية حركة 1953، إلا أن لها حضوراً في الساحة السياسية المصرية، إذ كانت من أكثر القوى الممثلة في البرلمان المصري ما قبل الأخير، إذ حصلت على نحو 20 في المئة من نسبة أعضاء ذلك البرلمان، ما دفع النظام في الانتخابات الأخيرة إلى إقصاء الإخوان وبطريقة همجية من الفوز بأي مقعد في البرلمان، وهذا يدل على شمولية النظام وغطرسته. لم يتوقع أحد من المثقفين والمتابعين، أو أجهزة الاستخبارات في العالم، وعلى رأسها الاستخبارات الأميركية، ما حدث في تونس ومصر، في حال مصر تنبأ محمد سلماوي في روايته «أجنحة الفراشة» لحال الثورة الشعبية في مصر، وقد قال في مقابلة على قناة «العربية»: «إنه عاد لتوه من ميدان التحرير وشاهد شخوص روايته على أرض الواقع»، الكاتب الأميركي توماس فريدمان، ومن خلال وجوده في القاهرة في أيام الثورة المصرية الحقيقية، وعند سؤاله ماذا يحدث في العالم العربي، ومصر تحديداً؟ أجاب إنها ثورة المعلومات التي أعطت الفرد والمواطن العربي حق التعبير وإسماع صوته لمن يريد أن يعرف حاله، وأشار إلى أن ما يحدث هو لثورات ونضالات شعوب، كما في جنوب إفريقيا وتجربة اندونيسيا. إن هذه التغيرات الشعبية مسلحة بتكنولوجيا المعرفة التي لا يستطيع أحد أن يوقفها، ومن أكثر الدول شمولية وانغلاقاً يعطي فرصة لدولنا أن تنفتح على شعوبها بشكل حقيقي، وتعيد للمواطن هيبته وآدميته المسلوبة، وأن تعمل هي على إصلاح أنظمتها قبل أن يفوتها قطار الفرص، فالشعوب تطالب بإصلاح النظام، فهل تقوم هذه الأنظمة باستغلال هذه الفرص التاريخية؟ هذا ما نتمناه فعلاً حباً لأوطاننا وشعوبنا. [email protected]