«دوام الحال من المحال». هذه المقولة تجلت في شكل لافت في تغطية الصحف القومية والتلفزيون الرسمي، والتي انقلبت إلى النقيض تماماً منذ اللحظات الأولى لإعلان تنحي حسني مبارك عن الحكم، في حين ظهرت حركات تمرد داخل المؤسسات الصحافية القومية استهدفت رؤساء تحريرها والمقربين من النظام السابق. وبين عشية وضحاها، غيّرت الصحف القومية والتلفزيون المصري مواقفها من ثورة الشعب المصري التي أطاحت بحكم مبارك، الذي استمر 30 عاماً، سعت فيه المؤسسات الرسمية إلى «تجميل» صورة النظام وإخفاء ما شاب سنوات حكمه في محاولة لتضليل المصريين، واسترضاء الرئيس المخلوع وأعوانه. بدا هذا جلياً في العناوين الرئيسة للصحف القومية (الأهرام والأخبار والجمهورية)، الصادرة صباح أمس، والتي تصدرت صفحاتها الأولى صور لفرحة المصريين بسقوط النظام، وقدمت التهنئة للشباب، مفجري الثورة، على رغم هجومها على الثورة وشبابها على مدى الأيام السابقة. وتصدرت جريدة «الأهرام» مشهد التحول، والذي بدا منذ إعلان تخلي مبارك عن الرئاسة، إذ أرسلت رسالة قصيرة ضمن خدماتها الإخبارية، لم تخل من الفكاهة، جاء نصها: «الأرصاد: شمس الحرية تسطع. ونسمات الديموقراطية تسود البلاد»، فيما قال مانشيتها الرئيس باللون الأحمر «الشعب أسقط النظام». وتصدرت صفحتها الأولى كذلك صور كبيرة لاحتفالات الشعب بخلع مبارك. وأشاد رئيس مجلس إدارة «الأهرام» عبدالمنعم سعيد بشباب الثورة، معتبراً أن مصر أمام شباب نابه. لكنه تساءل عن إمكان أن يكون جيل وائل غنيم جزءاً من مستقبل مصر بعدما كان سبباً مهماً في وضع نهاية لنظام استنفد القدرة على أخذ البلاد إلى الأمام؟ واتخذت الاتجاه نفسه صحيفة «أخبار اليوم»، حيث تصدرت صفحتها الأولى صورة صغيرة لمبارك وهو يلوح بيديه، وكتب بجانبها بخط عريض «ورحل مبارك»، كما نشرت صورة كبيرة للمتظاهرين في ميادين التحرير، دمجت فيها صورة لوزير الدفاع المشير حسين طنطاوي وهو يصافح أحد مجندي الجيش في التحرير، وتحتها عنوان يقول: «قواتنا المسلحة: أنا الشعب»، إضافة إلى عدد من العناوين التي توحي لقارئ «الأخبار» أنه يقرأ صحيفة معارضة، بخاصة عندما قالت: «وانتصرت إرادة الشعب». وفي الطريق نفسه سارت صحيفة «الجمهورية» حيث تجرأت بعد خلع مبارك على التحدث في مواضيع لم يكن قارئها يتخيل يوماً أن يجدها داخل أحد أعدادها، إذ ذكرت في افتتاحيتها التي حملت عنوان «70 بليوناً؟» امتلاك مبارك وأسرته 70 بليون دولار، مؤكدة أن شعبية مبارك التي قامت على أنه «نصير محدودي الدخل والفقراء تحطمت». لكن الطريف أن تغطية الصحف المصرية في أغلبها لأحداث الثورة جاءت متأخرة، على رغم أن بيان تنحي مبارك جاء في وقت مبكر، حتى أن الكاتب الصحافي سمير رجب، والمعروف بقربه من دوائر مبارك، تحدث في مقاله وكأن مبارك لا يزال يمسك بزمام السلطة. أما التلفزيون الرسمي، الذي ظل يهاجم شباب الثورة ونعتهم ب «العمالة» وأنهم أصحاب «أجندات خارجية» فبث صباح أمس بياناً هنأ فيه الشعب والجيش على نجاح الشعب في خلع مبارك، واصفاً ما حدث ب «الثورة العظيمة». وكان التلفزيون افتتح برامجه أمام عدد من المحللين والشخصيات لطالما منعوا من دخول أبوابه طيلة عهد مبارك. كما أنه دفع بعدد من المراسلين للمرة الأولى للحديث مع المتظاهرين في أماكن متفرقة في البلاد. اللافت كان حديث بعض البرامج عن «كيفية استعادة الملايين المنهوبة» من أموال النظام السابق ورجاله. في موازاة ذلك، يبدو ان نجاح ثورة الشباب في إسقاط النظام ستظل تلاحق عدداً ممن كانوا مقربين من السلطة، بل كانوا بمثابة متحدثين باسمها. إذ تجمع أمس مئات الصحافيين في وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية، داخل مبنى الوكالة في وسط العاصمة، احتجاجاً على أسلوبها في تغطية الثورة الشعبية، مطالبين ب «إسقاط رئيس مجلس إدارة الوكالة، رئيس تحريرها عبدالله حسن» وهو الأمر الذي تكرر في مؤسسات صحافية أخرى. ووقع صحافيون في الوكالة على بيان، استنكروا فيه «الموقف المشين» الذي اتخذته الوكالة من تغطية أحداث الثورة، مطالبين النائب العام في مصر المستشار عبدالمجيد محمود ب «فحص الذمة المالية لرئيس الوكالة وأفراد أسرته ومنعه من التصرف بأي أصول للوكالة».