لأننا نصدر أحكاماً طيلة الوقت، ونبتدع نظريات بالوتيرة ذاتها التي نتنفس بها، ونعمم آراء لترتدي حلة التحليلات الاجتماعية العميقة، فليس هناك من ضرر لو قلنا إن دخول العالم العربي عصر الفضائيات الخاصة وغير الخاصة هو أحد أقوى العوامل التي غيرت في تكوين المواطن العربي وتفكيره خلال العقدين الماضيين. ولما كان الجميع قد كتب وحلل وفكر في ما أحدثته الفضائيات الخبرية من تغيير – سلباً أو إيجاباً – على المشاهد العربي، فإنه قد آن الأوان للحديث عن الفضائيات أو حتى البرامج التي تضخ دماء جديدة في قضايا الجندر العربية. والملاحظ أن مسألة «الجندر» أو النوع باتت تشكل جانباً كبيراً جداً من اهتمام الفضائيات. ولعل أكثر الأمثلة على ذلك هو الكم الهائل من البرامج الدينية التي تتطرق إلى المرأة، وقد انتشرت انتشار النار في الهشيم، وتصور بعضهم أنها مجرد برامج دينية تتعلق بالمرأة المسلمة فقط لا أكثر ولا أقل، ولكن الحقيقة هي أن هذا الانتشار رسخ لزاوية مختلفة تماماً في مسألة الجندر يستحق صانعوها بحق براءة اختراع لون جندري جديد. نجحت هذه البرامج في جعل المرأة العربية المسلمة أشبه بكائن متفرد لا يتمتع بخواص وصفات شبيهة بتلك الموجودة لدى الرجل، إذ إن لها فقهاً خاصاً، وأحكاماً مختلفة، وبرامج كاد صانعوها يرفعون شعار «يحظر تماماً على الرجال الاقتراب أو التصوير». نوعية أخرى من قضايا الجندر العربية الفضائية هي تلك ذات الطابع الكلاسيكي، والتي تتراوح بين برامج الطهي والحياكة وتجديد ديكور البيت. وبالطبع، فإن التناول الكلاسيكي لذلك النوع من الجندر لا يشمل الرجال، لأنه ليست لديهم مشاكل تبحث عن حل، فهو لن يبحث عن الطريقة المثلى لإزالة بقعة السجاد لأنها مهمة الزوجة، ولن يسعد لسماع وصفة قناع الوجه بالخيار والزبادي لأن الرجل لا يعيبه سوى جيبه وليس وجهه، كما أنه ليس مهموماً بمسألة تعرض الزوجة للضرب أو الإهانة أو الانكسار لأنه ببساطة القائم بتلك المهام. وفي خضم تلك «اللخبطة» الجندرية، ظهرت نوعية جديدة، وإن كانت نادرة من البرامج، وهي تلك التي تناقش وتنبش في صميم قضايا الجندر من دون الإفراط في الميل إلى الفكر الغربي، وفي الوقت نفسه من دون الإمعان في الترسيخ لأفكار وأنماط عفا عليها الزمن الحديث. أبرز تلك النماذج يقدّمه التلفزيون المصري عبر برنامج «كلام رجالة» الذي أخذ طاقمه على عاهله مهمة فتح الملفات الجندرية التي توارثها العرب والمصريون باعتبارها من المسلّمات، على رغم انها ليست كذلك. فمثلاً، هل المرأة وحدها هي التي تنفرد بلقب «مكسورة الجناح»؟ ولماذا ينزعج الرجل حين تشغل الزوجة منصباً مهماً؟ ولماذا نحترم «كلمة الرجل» ولا نحترم «كلمة الست»؟ آن أوان اطلاع المشاهد العربي على جوانب مختلفة في قضايا الجندر، أو فلنقل النوع، أو حتى «الستات» و«الرجالة» لئلا يغضب أحد!