شباب ثورة المواطنين المصرية، الذين نجحوا بالفعل منذ 25 يناير في إبطال فعل الصيغة السلطوية التي حكمت مصر طوال العقود الماضية، واستعادوا الشارع كمجال عام حقيقي وساحة للفعل السياسي المعارض والديموقراطي، أمامه تحديات عظيمة تقتضي تفكيراً جماعياً وعملاً متواصلين. ثمة، من جهة أولى، تحدي تطوير الحالة الثورية الراهنة والحفاظ على ديناميتها في ميدان التحرير وخارجه. فقد بدأت تدريجياً عودة الحياة اليومية الطبيعية إلى المدن المصرية، وهو ما يحمي الحالة الثورية بالحد من الضغط المجتمعي والمعنوي الذي مارسته قطاعات واسعة من المواطنين على المتظاهرين والمعتصمين من بوابة المطالبة بالحق في العمل والبحث اليومي عن الرزق والشعور بالأمن. إلا أن هذا التطور يحمل أيضاً بين طياته خطر تحول الحالة الثورية إلى مكوّن اعتيادي تتم محاصرته مكانياً (في ميدان التحرير) واحتواؤه زمنياً (بالتفاف دورة الحياة اليومية حول ميدان التحرير) من دون استجابة متكاملة لمطلبيتها المشروعة. على الشباب إذاً أن يبحثوا في إمكانات تطوير نشاطهم الاحتجاجي لينفتح بأجندة اجتماعية - سياسية (العدالة الاجتماعية والتغيير والحرية) على القواعد العمالية والنقابات المهنية والمحافظات المصرية (بخاصة في صعيد مصر) التي ما زالت على هوامش الحالة الثورية. يتمثل التحدي الثاني في ضرورة تعامل الحركات الشبابية وجموع شباب الثورة غير المنظم في حركات، والمكونان حاضران بقوة اليوم، وبآليات ديموقراطية مع سؤال التمثيل، أي من يتحدث باسم شباب الثورة وبأية شرعية تفويضية. يختلف سؤال التمثيل جوهرياً عن قضية القيادة الغائبة عن شباب الثورة، والتي توظفها مؤسسات الدولة لأهداف ثلاثة: إقناع الرأي العام بأنها لا تعلم إلى من تذهب للتفاوض مع المتظاهرين وحلحلة الأزمة، ادعاء أن مطالب الشباب مختلفة ومتفاوتة ومن ثم لا يمكن التعاطي معها بجدية، التخويف من إمكانية أن تسيطر قوة غير ديموقراطية («الإخوان المسلمون») أو أجندات خارجية على الشباب وتستغلهم لمصالحها الضيقة. والحقيقة أن كل هذه الأمور مردود عليها بحكم وضوح واتساق مطالب الشباب، وهي في الجوهر تريد صناعة مصر ديموقراطية وعادلة، وكذلك بالنظر إلى إجماع الشباب على رفض التفاوض مع مؤسسات الدولة إلى أن يصار إلى استجابة متكاملة لمطالبهم. أما سؤال التمثيل فهو جوهري لحماية الحالة الثورية بسد منافذ التحايل والتفتيت على مؤسسات الدولة التي باتت تنتقي بعض الشباب من ميدان التحرير وتحاورهم من دون أن يعلم أحد سبب اختيارهم من دون غيرهم، ولتطوير أدوار الشباب في السياسة المصرية إن نحن نجحنا جميعاً في دفعها نحو مرحلة انتقال ديموقراطي حقيقي. حسناً فعلت بعض الحركات الشبابية (العدالة والحرية، الجمعية الوطنية للتغيير، شباب حزب الجبهة الديموقراطية، شباب «الإخوان المسلمين»، حملة البرادعي) بالائتلاف تحت يافطة «شباب ثورة الغضب» واختيار ممثليهم وفقاً لآلية الانتخاب الديموقراطية للحديث باسمهم وحسم ادعاءات التفويض الزائفة من قبل البعض، وحسناً يفعل أيضاً آخرون بين الشباب بمحاولة انتخاب ممثلين لهم وفقاً لمبادئ التوزيغ الجغرافي والعمري وغيرهما. وبالقطع ستشكل مثل هذه المساعي، حال إنجاز تحول ديموقراطي حقيقي في مصر، النواة الفعالة لأشكال تنظيمية أكثر تعقيداً كالأحزاب السياسية والمنظمات المدنية وجماعات الضغط. يرتبط التحدي الثالث بأكلاف الاختيار، الذي أراه اليوم ناجعاً، من قبل شباب الثورة والقاضي برفض التفاوض مع مؤسسات الدولة وعدم المشاركة في الحوارات بينها وبين المعارضة الرسمية وغير الرسمية واللجان الوسيطة. رفض الحوار تأسيساً على إجراءات وأدوات «الاستدعاء السلطوي» التي ما زالت مؤسسات الدولة توظفها بانتظام ويدرك الشباب بوعي جوهرها غير الديموقراطي، وكذلك رفض التفاوض وفقاً للسقف المقترح من قبل نائب رئيس الجمهورية، وهو دون مطالب الشباب، إن في ما خص تنحية الرئيس مبارك أو حل البرلمان والإلغاء الفوري لقانون الطوارئ، يقتضيان الشروع الفوري في صياغة إطار بديل للحوار والتفاوض تحدد إجراءاته ومضامينه الحركات الشبابية، وهي القوة الفعلية الوحيدة على الأرض بجانب مؤسسات الدولة، ويدعو إليه ممثلوها بشروطهم هم. لا يكفي هنا التوقف، وكما يفعل الشباب اليوم، عند تبني إستراتيجية ترك الحوار والتفاوض للراغبين فيهما، فإن جاءوا باستجابة متكاملة لمطالب الشباب يكون ذلك جيداً، وإن لم يكن فهم على احتجاجهم مستمرون. ففي هذا تفريغ تدريجي للحالة الثورية من ديناميتها وعنفوانها. أفكر بصوت عال في «المائدة المستديرة» التي كونتها المعارضات الديموقراطية في أوروبا الشرقية وجنوب أفريقيا، ونظمت بعيداً من بقايا وإجراءات النظم السلطوية ولم تأتِ الأخيرة إليها إلا بعد أن اعترفت بحتمية التغيير الديموقراطي وتمكنت المعارضات من التعامل الديموقراطي مع تحديات التمثيل والتنظيم، درءاً لخطر تفتيت مطلبيتها أو إظهارها للرأي العام وكأنها قوى فوضوية لا تعلم ماذا تريد. * أكاديمي مصري.