نشرت صحيفة «وول ستريت»، بتاريخ 31 - 1 - 2011، حواراً مع الرئيس السوري بشار الأسد قال فيه: «إن ما حصل في تونس ومصر لن يطال سورية؛ لأن سورية دولة مستقرة، وسياسة نظامها مرتبطة بشكل وثيق جداً بمعتقدات الشعب ومصالحه، لأن الناس لا تعيش على المصالح، بل يعتاشون على المعتقدات، وأن هناك نوعاً مختلفاً من التغييرات حصلت وتحصل في سورية». إن ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد يعدّ منطقياً من زوايا عدة. فما حصل في تونس ومصر من المؤكد أنه لن يتكرر في سورية، بسبب الخوف الذي يتعشش في قلب المواطن السوري من الخروج في أي مظاهرة مناوئة للحكم. فهو استوعب الدروس التي تلقاها خلال نصف قرن. أما ارتباط الحكم السوري بمعتقدات الشعب بشكل وثيق جداً، فهو صحيح أيضاً؛ لأن الشعب السوري وصل إلى مرحلة أنه أضحى خالياً من أي معتقد. أما من ناحية التغيير الذي تكلم عنه الرئيس الأسد في أنه حصل ويحصل، فهو تحويل معتقدات الشعب السوري إلى المذهب الشيعي. إن تاريخ الصراع الطائفي في سورية يرجع إلى أكثر من نصف قرن مضى. فبعد الاستقلال تسلمت الحكم طبقة برجوازية سنية، أمثال شكري القوتلي، الذي أمر بإعدام سليمان المرشد، أحد زعماء الطائفة العلوية عام 1947. ثم جاء بعده أديب الشيشكلي الذي أوعز إلى اغتيال محمد ناصر أحد كبار الضباط العلويين؛ ما جعل أكبر الضباط العلويين، آنذاك، غسان الجديد يثأر للطائفة العلوية، فيُقدم، هو وبديع مخلوف، خال الرئيس الراحل حافظ الأسد، على اغتيال العقيد عدنان المالكي. في عام 1966 كان الرئيس حافظ الأسد أحد قادة الانقلاب على أمين الحافظ، آخر رئيس سني في سورية. ونُفي ميشيل عفلق، ومعه ابن حي الميدان الدمشقي السني صلاح البيطار؛ لإلغاء دور الأحزاب في الحكم في المستقبل نهائياً. وفي عام 1971 أصبح حافظ الأسد رئيساً لسورية، بعد إزاحة صديقيه وابني طائفته صلاح الجديد ومحمد عمران. بتاريخ «17/7/ 1998» صرح الرئيس حافظ الأسد لرئيس الحكومة الفرنسي ليونيل جوسبان أنه لا يعدّ ابنه بشاراً للخلافة على الرئاسة. ولكن في الحقيقة سبق هذا التصريح بأسبوع واحد فقط تسريح كبار الضباط السنّة، منهم رئيس الأركان حكمت الشهابي، ومدير المخابرات العامة بشير النجار. وفي عام 1999 تم تعيين طبيب العيونبشار الأسد ضابطاً برتبة عقيد، وعضواً في القيادة القطرية لحزب البعث. وبعد وفاة الرئيس حافظ الأسد تم ترفيعه إلى رتبة فريق، وعيّن قائداً عاماً للقوات المسلحة. وتم تعديل القانون رقم 9 الذي يقضي بتعديل الدستور لخفض سن المرشح للرئاسة ليكون 34 عاماً. بعد تسلم الرئيس بشار الأسد السلطة، وعلى رغم انتخابه أميناً عاماً لحزب البعث، أدرك يقيناً أن المؤسسة الحزبية، التي تحوي 850 ألف عضو عامل فيها، لا تأثير لها في دعم حكمه؛ لهذا عمد مباشرة إلى إزاحة عدد كبير من الضباط العلويين، الذين كان يعتقد أنهم يشكلون خطراً على سلطته. وعلى رغم السمعة الحسنة التي اكتسبتها سورية أمام الغرب، في أنها استطاعت القضاء على التيار الديني في سورية، التي منها تدمير مدينة حماة، ومقتل عشرات الألوف من المدنيين. إلا أن الرئيس بشار الأسد حاول في بداية حكمه إرضاء التيار السني، متتبعاً خُطى والده الراحل، حين أعلن تحوله إلى المذهب السني أثناء زيارته لمدينة حماة، في بداية تسلمه الحكم. إذ أعاد الابن الاعتبار للتيار السني، عن طريق استكمال فتح بعض الكليات الشرعية في الجامعات السورية، ودعم بعض المدارس الدينية التي افتتحها والده، ومنح بعض المشايخ، أمثال الشيخ رمضان البوطي، بعض النفوذ. والحقيقة التي ربما تخفى على بعض الناس، أن سورية كانت تدعم الشباب المجاهدين المتجهين إلى العراق بعد الاحتلال الأميركي لها. إضافة إلى الدعم المستمر للحركات الجهادية الإسلامية السنية، التي منها حركة حماس. كما تبين، لاحقاً، أن سبعة أشخاص من كبار قادة القاعدة المتهمين في أحداث 11 أيلول (سبتمبر) كانوا سوريين. بل إن أسامة بن لادن نفسه ترعرع في صغره مع والدته، علياء إبراهيم غانم، سورية الأصل، في قرية جبريون التي تبعد عن محافظة اللاذقية 25 كلم. ونشرت الصحف أن المخابرات الأميركية التقطت مكالمة هاتفية بين أسامة بن لادن وبين رقم هاتف في سورية، قبل أحداث 11 سبتمبر بساعات قليلة. كل ذلك ليس حباً في أهل السنّة، ولكن نكاية في دول الغرب المعادية لسورية. في مقابل هذا التأييد المتواضع لبعض الحركات الإسلامية السنّية، كان هناك دعم كبير للحركات الإسلامية الشيعية، كحركة أمل، وحزب الله. بل وداخل سورية أيضاً، إذ إن تشييع أهل السنّة بدأ منذ الثورة الإيرانية عام 1979. ففي عام 1981 بدأ جميل الأسد، عم الرئيس بشار الأسد، في تشكيل النواة الأولى لجمعية سميت ب «جمعية الإمام علي»؛ لتكون رديفاً مسانداً لحزب البعث وشبيبة الثورة، ولكن القصد الحقيقي منها كان تشييع الشباب السنّي. إذ تم توفير أماكن وشقق لهذا الغرض، وجلب إليها منظرون من الطائفة العلوية. ونشرت كتيبات صغيرة تدعم هذا التوجه، الذي كان منها كتيب بعنوان «المسار». بتاريخ 22 - 4 - 2001 حذرت دراسة للمعهد الدولي للدراسات السورية من زيادة الحوزات العلمية في سورية، ومن التشيع بوجهيه الديني والسياسي، الذي كان المقصود منه استكمال حلقة المحور السوري الإيراني الشيعي. وذُكر في الدراسة أنه تم احتلال الشيعة للمقامات السنية في السيدة زينب، وعمار بن ياسر، والسيدة رقية، وحجر بن عدي، وتأسيس مراكز تبشير شيعي فيها. وأنه بين عامي 2001 و2006 أنشئت في قرية السيدة زينب 12 حوزة علمية، وثلاث كليات للتعليم الشيعي. كما ذكرت الدراسة أن معدل التشييع بين أهل السنة وصل إلى 300 فرد سنوياً. وزادت هذه النسبة كثيراً نتيجة محاولات الإعلام السوري إقناع الشعب بأن حزب الله قد انتصر في معركته الأخيرة مع إسرائيل في لبنان. الحقيقة أن التشييع في عهد الرئيس بشار الأسد أصبح سياسياً أكثر منه دينياً. وأن التغيير الذي حصل منذ استلامه الحكم في سورية لم يتجاوز هذا التغيير. ويبقى أن أذكّر أن أحمد أبو الغيط، وزير خارجية مصر، قال عقب ثورة تونس: إن القول بأن ثورة تونس سوف تمتد إلى مصر كلام فارغ. * باحث في الشؤون الإسلامية.