أخيراً، صدر تقرير المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر حول ما عُرض على الشاشات المصرية طوال شهر رمضان، وتحديداً حول المسلسلات الدرامية التي تزاحمت حتى اقترب عددها من أربعين مسلسلاً. وشُكّلت لجنة «الرصد والتقييم» في المجلس منذ بداية الشهر لتتابع أحوال الدراما واتجاهاتها، وصدرت عن المجلس بالفعل ملاحظات أثارت ضجة لدى الرأي العام، بخاصة في ما يخص الإعلان عن «مخالفات مالية» لأي مسلسل يتورط صنّاعه في تقديم ألفاظ وكلمات خارجة أو غير لائقة ضمن أحداثه. غير أن المجلس، الذي تلقى من جانب آخر وجهات نظر عدد من المختصين والمتخصصين في متابعة ونقد الدراما والأعمال الفنية عموماً، قدر أن وجوده الحديث على الساحة العامة، وإعلان بداية عمله كمؤسسة حاكمة لشؤون الإعلام الورقي والمرئي والمسموع الذي سبق بداية شهر رمضان بوقت قصير، لا يسمحان للكثيرين من صُناع الدراما بالتعامل مع قوانينه. ومن ثم صدر تقريره الأول خالياً من تحديد أسماء الأعمال المخالفة وإنما جاء أقرب إلى تقرير يوضح ما سوف يحدث في الأيام المقبلة،من تتبع لكل ما يقدم على الشاشات الصغيرة من مسلسلات وبرامج وإعلانات وأيضاً أساليب مقدمي ومقدمات البرامج في مخاطبة ملايين البشر. وهنا ينبه التقرير في مقدمته الى أن الملاحظات التي تتضمنها التقارير الصادرة عن اللجنة المذكورة تنصب على مدى التزام الشاشات بالمعايير المهنية والأخلاقية ولا تختص بالنواحي الفنية والإبداعية، وتحديداً يأتي الاختصاص في ما يتعلق بالألفاظ البذيئة والعنف غير المبرر والحض على الكراهية وبأمور أخرى متعلقة بحماية حقوق المشاهدين وفقاً لما نص عليه الدستور المصري. أولى ملاحظات التقرير هي أنه مع كثرة الأعمال الدرامية الجديدة، إلا أن عدداً قليلاً منها فقط تمكن تسميته بالأعمال الإبداعية التي يمكن القول إنها أضافت للرصيد التاريخي للفن المصري المعبّر عن قضايا الوطن واحتياجات المجتمع والارتقاء بالمشاعر وإنارة العقول والارتفاع بلغة الحوار. ومع قلة هذه الأعمال المبدعة، إلا أنها أعادت الأمل بأن يستعيد الفن بريقه والإبداع مكانته. الملاحظة الثانية تتمثّل في أن تلك الأعمال الدرامية كشفت عن جيل جديد من المؤلفين والمخرجين والممثلين الذين يبشرون بمستقبل أفضل للفن. في مقابل هذا، فإن عدداً من الأعمال الأخرى تضمن ألفاظاً وتعبيرات تحمل للمشاهدين إيحاءات مسيئة، وفي مقدمها شتائم بالأب والأم وتعبيرات جديدة، لا معنى لها، تهبط بلغة الحوار وتسيء لأبطالها قبل أن تسيء الى الشاشات التي تبثها وللمجتمع ككل. لم تعكس بعض الأعمال حقيقة المرأة المصرية المكافحة والمخلصة لأسرتها وحلت محلها صورة للمرأة اللعوب، وبشكل مفتعل يكاد يطغى على الشخصية السوية، كما تعرضت المرأة لمشاهد عنف غير مبرر وسباب وشتائم وإهانات غير لائقة في بعض الأعمال. وشملت المخالفات انتشار مشاهد التدخين وتعاطي المخدرات مع حوارات بين أبطالها تغري صغار السن والمراهقين من المشاهدين على تجربة التعاطي. غياب أي عمل درامي يتناول بطولات شهداء الوطن، على رغم ما تحمله قصصهم من دراما إنسانية رائعة لشباب يضحون بأرواحهم من أجل بلدهم. رصدت اللجنة تزايد الشكوى من طول مدة الإعلانات المصاحبة للبرامج والمسلسلات، وتوصي اللجنة المجلس باتخاذ قرار بتحديد مدة زمنية للإعلانات المرافقة لأي مسلسل أو برنامج كحد أقصى لدخول الإعلان في إطار العمل الدرامي أو البرامجي. تؤكد اللجنة إعجابها ببعض الإعلانات الرسمية لقطاعات الدولة مثل إعلان هيئة الرقابة الإدارية «أنت مراية نفسك»، لكونه يخاطب ضمير المواطن. ويتضمن التقرير أيضاً اقتراحاً من اللجنة بأن يرسل المجلس خطاب شكر إلى شبكة قنوات «دي إم سي» لإزالتها كل المشاهد والعبارات المسيئة من تلقاء نفسها قبل عرضها على الشاشة، كمبادرة جديرة بالاحترام. ولعل معنى ما جاء في هذا التقرير الأول هو التعبير عن وجود مجلس أعلى جديد يراقب ما يعرض على الشاشات، ويرفض ما يسيء الى قيم المجتمع ويحذر من الانفلات في أي جانب. ومن هنا، يصبح من الضروري أن يصدر المجلس قريباً جداً مدونة للسلوك المجتمعي يشارك في وضعها كل الخبراء والمختصين بعلوم الإعلام والاجتماع، لأنه من دون هذه المدونة يصبح تقدير خروج أي إعلامي أو مخرج درامي أو ممثل عن مقتضيات اللياقة الإنسانية والاجتماعية والإعلامية أمراً شخصياً وليس جماعياً، ولا تصبح لأمور الثواب والعقاب أهميتها القصوى في عالم الشاشات الواسع.