تغيير النظام في تونس كان عبر شباب ال «فايسبوك»، والأحداث الجارية في مصر كانت بدايتها عبر صفحات ال «فايسبوك»، وتحدثت تقارير غربية أن الجزائر والمغرب والأردن من الدول المرشحة لأن تمسها هذه الرجات. «الحياة» استطلعت آراء شبان جزائريين ومتخصصين في شأن تصورهم لاحتمالات الاوضاع في الجزائر. فإن كانت لتونس ومصر خصوصيتهما سواء في طبيعة النظام الحاكم او بالنظر إلى إمكانياتهما الاقتصادية، فان للجزائر أيضا خصوصيتها ، خاصة أنها من الدول البترولية التي تختزن 157 بليون دولار احتياطا من العملة الصعبة، وأطلقت مشاريع على مدى خمس سنوات خصصت لها اعتمادات تجاوزت 280 بليون دولار، وفيها شعب عاش عقداً من الزمن في أتون حرب أهلية دامية راح ضحيتها أكثر من 200 ألف مواطن. في المقابل فإن الجزائر تتقاسم مع الدول التي تعيش التغيير الذي قاده ويقوده الشارع، ظروفاً اجتماعية مماثلة ما يجعلها غير محصنة ويمكن أن تطاولها رياح الانتفاضة، وفق ما يراه رئيس الحكومة الجزائري الأسبق أحمد بن بيتور الذي رفع مؤخراً مبادرة أطلق عليها شعار «بيان من أجل جزائر جديدة» والتي أكد فيها بأن «التجارب الأخيرة في الجزائروتونس ومصر تفرض ضرورة عاجلة لإعداد المفاوض الكفوء للتعامل مع السلطة التي تدير ظهرها للشبيبة المصممة على انتزاع حريتها ولو بالعنف»، مشدداً أن الخطر محدق بالجزائر. وتشير الإحصاءات الرسمية الى أن نسبة البطالة في الجزائر تقدر 10 في المئة، في حين تقول أرقام صندوق النقد الدولي إن نسبة البطالة تتراوح ما بين 15 إلى 20 في المئة في أوساط الشباب، وتصل نسبة الذين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم الى 60 في المئة. كما تؤكد إحصاءات برنامج الأممالمتحدة للتنمية بخصوص تفاوت توزيع الثورة والدخل في الجزائر، فإن 60 في المئة من الثروة والدخل تذهب إلى 24 في المئة من الجزائريين. في حين تقول الأرقام بان الفارق بين أغنى فئة في الجزائر وأفقرها يتراوح ما بين 1 إلى 24 مرة، ما يعني ان دخل الفئة الغنية وفق تصنيفات الأممالمتحدة يساوي 24 مرة دخل الفئة الفقيرة. هذه المعطيات جعلت الجبهة الاجتماعية تعيش على صفيح ساخن، وتتعالى معها الأصوات المطالبة بالتغيير ومراجعة السياسات الحكومية من اجل تحسين المستوى المعيشي وخلق فرص شغل وحل أزمة السكن التي تعد المطالب الرئيسية للجزائريين، إلى جانب مطلب محاربة الفساد الذي اسشترى في القطاعات الحساسة بخاصة مؤسسة «سوناطراك» الشركة النفطية العملاقة. اضافة الى إطلاق الحريات العامة ورفع حالة الطوارئ. مطالب التغيير التي يرفعها الشباب في الجزائر هل ستكون وراء انفجار اجتماعي كالذي حدث في تونس ويحدث في مصر حالياً لتتعداها إلى مطالب برحيل النظام الحالي؟ للوصول إلى جواب مقنع عن هذا السؤال، استطلعت «الحياة» آراء فئة من الشبان الجزائريين منهم من ينشط عبر مواقع ال «فايسبوك» وينادي بالتغيير ومنهم لا يعرف حتى استخدام «الانترنت»، لكنّ له رأياً في التغيير. يقول صاحب مبادرة «يوم بلا شراء» الشاب زبير فاضل إن مبادرته «تقوم على مقاطعة المواد الغذائية الأكثر غلاء، وذلك يوم 7 نيسان (أبريل) من كل سنة، وهي الطبعة الثانية هذا العام، واستعنت فيها بمجموعة من الشباب على الشبكة الاجتماعية «فايسبوك» من أجل التوعية بهذا الموضوع» اما عن نظرته للتغيير في الجزائر وطرقها فيقول فاضل: «طبعاً أنا من المنادين بالتغيير لكني لست منخرطاً في أي تنظيم معني بهذا، لأنني أرى بأن التغيير يجب أن يكون على مراحل وبوعي». أضاف: «لا أعتقد بأن التغيير سيكون على شاكلة ما حدث في مصر وتونس، لأن المعطيات في الجزائر تختلف تماماً. والأكثر من هذا فإن الاحتجاجات التي تقع مرة في مدينة ومرة في أخرى تدل على وجود حالة الغليان لكن في الوقت نفسه على خروج جرعات من الغضب، إضافة إلى اننا لسنا من الدول التي استبد فيها الحكام لأكثر من 20 سنة». أما عدلان مدي وهو صحافي وعضو مبادرة «بزاف» وهي كلمة بالعامية الجزائرية تعني «كفى» باللغة العربية على غرار حركة «كفاية»، فيقول بأنه ومن معه تجمع من الكتاب والمثقفين ينادون عبر مبادرتهم بوقف قمع الحريات والرقابة على الفن والكتابة. وفي إجابته عن إمكانية تكرار سيناريو مصر وتونس في الجزائر، قال: «لا ... بكل صراحة لا أظن ذلك» في الوقت الحالي، معللاً رأيه بالقول: «الدولة اجتماعية في شكل كبير وهي حاضرة في كل مكان وتحسن امتصاص غضب الشعب في كل مرة يكون هناك غضب واحتجاجات»، لكنه لا يستبعد تكرار السيناريو المصري والتونسي على المدى البعيد وربط ذلك بخروج الشعب الجزائري من الصدمة النفسية التي خلفتها العشرية السوداء. ويضيف ان تأثير مواقع التواصل الاجتماعي ك «فايسبوك» تبقى غير فعالة في إحداث ثورات كما وقع في تونس ومصر بحكم ان استعمالهما كانت بدايته مهنية ثم أصبح فضاء للمحادثة وهي لا تزال في بدايتها بالجزائر وليست منتشرة في شكل كبير، ويرى زبير فاضل أن عدد المشتركين في مواقع التواصل الاجتماعي لا يتجاوز 500 ألف مستخدم. على رغم ذلك انشئت منتديات على الموقع تدعو إلى التغيير وإلى ضرورة رحيل النظام الحالي، كما استعملت كأداة للدعوة إلى المشاركة في مسيرة 12 شباط (فبراير) التي دعت إليها منظمات حقوقية وانضم إليها حزب التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية المعارض التي ينادي بالتغيير، وكان قد حاول تنظيم مسيرة في الجزائر العاصمة يوم 22 من الشهر المنصرم لكنها لم تعرف مشاركة كبيرة وتحولت إلى تجمع أمام مقر الحزب، واتهم الحزب حينها السلطات الحكومية بإجهاضها بسبب التدابير التي وضعت من أجل التضييق على أنصاره لثنيهم عن المشاركة في المسيرة. لكن يوسف الذي التقيناه بحي باب الوادي الشعبي أمام طاولة يبيع عليها أقراصاً مضغوطة تحوي على أفلام مقرصنة، يقول: «أتمنى التغيير في الجزائر. أتمنى أن أجد عملاً مستقراً، فالذين يحكموننا لم يستطيعوا أن يوفروا لنا فرص عمل. أتمنى من كل قلبي أن يذهبوا، لكن أنا لا أريد أن أعيش مجدداً وسط التظاهرات الصاخبة وأعمال التكسير ومناظر الدم» ليضيف: «لقد شبعنا الدم والحرق في الجزائر، أرأيت كيف كانت التظاهرات الأخيرة؟ لقد تحولت إلى سلب ونهب. أتمنى على النظام ان يتفهم، إما أن يذهب أو يصلح نفسه، لكن لا أظن انه يصلح نفسه لقد فقدنا الأمل». وكانت الجزائر شهدت تظاهرات احتجاجية بسبب ارتفاع أسعار السكر والزيت في بداية السنة الجارية، سادتها أعمال نهب وسرقة للمحلات والواجهات التجارية، واتخذت الدولة تدابير لامتصاص الغضب الشعبي عبر خفض في أسعار المادتين الحيويتين حيث خصصت لدعمهما اعتمادات مالية قدرت ب400 مليون دولار.