موقف الإدارة الأميركية من الأحداث الأخيرة في مصر يدعو للغرابة والاشمئزاز معاً، ولست أفهم ما ترمي له الإدارة الأميركية بتصريحاتها «النازية» في هذه الأزمة، بدا لي وكأن الرئيس أوباما يتصور أن القاهرة إحدى ولايات أميركا، ذلك من خلال مطالباته وحكومته وإصرارهم على تنحي الرئيس مبارك بهذا الشكل الغريب، الحكومة المصرية تفاوض المتظاهرين والحكماء في محاولة للتوصل إلى حل لهذه الأزمة، وفي الوقت نفسه تصرّ الإدارة الأميركية على تنحي الرئيس مبارك! وتشجّع على استمرار الفوضى التي تسميها حرية التعبير، ولا نحن نعرف ولا حتى المعارضة نفسها تعرف من البديل عن الرئيس مبارك إن رحل؟ فالمعارضة لا تقبل بعمر سليمان ولم تسمِ أحداً باسمه ليكون مرشحاً للرئاسة، هذه الحماسة من الإدارة الأميركية في أزمة مصر لم نره عندما قامت المظاهرات في طهران ضد النظام الإيراني، ورأينا قوات الأمن الإيرانية تقتل المتظاهرين في الشوارع، وعلى مرأى من العالم بطريقة أفلام «الكاوبوي» الأميركية، وربما هذا ما جعل الإدارة الأميركية تكتفي بالمشاهدة، كونها تشجع ثقافة «الكاوبوي» في أي مكان وزمان، كما هي الحال في العراق وأفغانستان، إنها ثقافة القتل من أجل إثبات الوجود، لا من أجل تحرير الشعوب كما يدّعون، أما في مصر فالأمر عند البيت الأبيض يختلف تماماً، فلا ثقافة «كاوبوي» لدى الحكومة المصرية، ولا ملف نووي لدى مصر لتلجم به أفواه الأميركان والأوروبيين معاً. وعندما كان الرئيس أوباما طفلاً ينام على الحصير في إفريقيا ولا يعلم ما هي مصر وتاريخ مصر وعراقة مصر أرضاً وشعباً، في ذلك الوقت كان الرئيس مبارك على طائرته الحربية يقاتل في حربي 67 و73 من أجل مصر وشعب مصر وحرية مصر. هذا هو الواقع الذي لا تعرضه لنا الآن تلك القنوات الفضائية المسيسة. عندما كانت قضية الملف النووي الإيراني حديث المجالس والبرامج والأخبار وسائقي التاكسي، كان الجميع متخوفاً من اندلاع حرب في المنطقة، قال لي صديق، لا ترهق نفسك في متابعة هذه القضية، فلن يكون هناك حرب بين أميركا وإيران، إنها لعبة سخيفة بين الصديقين أميركا وإيران، تذكرت هذا الحديث وأنا أرى التطابق والتوافق العجيب بين تصريحات طهران وتصريحات البيت الأبيض في أزمة مصر، كلاهما يطالب بتنحي مبارك، وكلاهما يؤيد الفوضى التي تحدث في شوارع القاهرة وساحاتها، ويسمونها حرية رأي! إن كان الرئيس مبارك حكم لمدة 30 عاماً بحسناته وسيئاته، كما يقول البعض، فبقاؤه حتى نهاية ولايته بضعة أشهر ليست نهاية العالم، وقد وصلت رسالة المتظاهرين حتى استقرت في رأس الرئيس مبارك ووسادته، وقام بتنفيذ جزء كبير من مطالب المتظاهرين، على رغم أن هؤلاء المتظاهرين لا يمثلون واحداً في المئة من تعداد الشعب المصري، لست مع الرئيس مبارك ولا ضده، لكنني مع استقرار مصر مهما كان لونه وطعمه، ما رأيناه في القاهرة على شاشات التلفاز شيئاً مؤلماً أكثر من الألم نفسه، شباب مصر لهم الحق في التعبير عن مطالبهم، ولهم الحق أن يحرقوا الظلم إن وجد بأصواتهم وشعاراتهم حتى يتم التغيير للأفضل، لا أن يحرقوا مصر بنيرانهم إلى أن عمتّ الفوضى شوارع القاهرة، كما شاهدنا ذلك الفلتان الأمني الذي أتاح لآلاف المجرمين الهروب من السجون، وتعطلت مصالح الشعب ودب الخوف في قلوب الآمنين، والبركان الذي دمر شوارع القاهرة بسبب تلك المظاهرات التي قيل إنها سلمية وأحرقت كل شيء، لا تقل سوءاً وقبحاً عن تصريحات ومطالبات أميركا وابنتها غير الشرعية إيران. الحدث أكبر من مقال وأكبر من التغطية الإعلامية التي نتابعها ليلاً نهاراً، ولكن لمصر وشعب مصر وحكومة مصر منا الدعاء بأن يفتح الله على قلوبهم وأن يجعلوا نصب أعينهم أمن ومستقبل واستقرار مصر. «اللهم آمنا في أوطاننا» دعوة صادقة لكل من ينشد السلام، لا لمن ينشد الفوضى ويسعى وراء الأهداف الشخصية على حساب دماء الشعوب. إن الأمل بالله ثم في شباب مصر وحكومة مصر أن تهدأ النفوس ويخمد البركان، وكأني أرى الأمور تعود إلى مجاريها حتى نهاية ولاية الرئيس مبارك، أو ما يتفق عليه المتظاهرون والحكومة بشكل يعيد الأمل لكل من يتمنى الخير لمصر وأهلها. * كاتب سعودي. [email protected]