تداعت مجموعة من المدونين العمانيين الأسبوع الماضي إلى مسيرة سلمية أطلقوا عليها «المسيرة الخضراء» وذلك من خلال مدوناتهم ومنتديات إلكترونية حددت الزمان (عصر يوم اثنين) والمكان (شارع الوزارات بمدينة الخوير). والتقى بضع مئات ساعات قلائل ورفعوا لافتات تطالب بالتوظيف وتحسين الرواتب التي اعتبروها لا تناسب الغلاء وارتفاع الأسعار. وتوقع الداعون إلى المسيرة وصول عدد المشاركين إلى بضعة آلاف بدلاً من المئات، إلا أن ثقافة التظاهر حاضرة في النسيج الثقافي العماني المعتمد على النظام التقليدي المحافظ والمرتبط بسلطة شيوخ القبائل وكبار السن للتدخل في حل الأزمات. لكن هذه الوسيلة «الحديثة» في التاريخ العماني المعاصر وجدت من يدفع بها للظهور، خصوصاً جيل الشباب ومعرفته بالتكنولوجية التي جعلت من التظاهرات (أو ما يطلق عليها للتخفيف، المسيرات) لقاء شبابياً حماسياً يطالب بفرصة الوظيفة ورفع الرواتب خصوصاً في شركات القطاع الخاص. والأهم ان الجيل الحالي يعيش ظروفاً أفضل بكثير من الأجيال السابقة تتعلق بملامح الحياة العامة، ومن بينها هامش الحريات. والمنتديات التي حرصت على تشجيع أكبر عدد ممكن للمشاركة في «المسيرة الخضراء» لم يفتها الاختلافات الكثيرة حول المسيرة قبل حدوثها وبعده، إذ أشار أحدهم إلى أن المشاركين جاؤوا بسيارات من أنواع وموديلات تعد في دول أخرى أحلاماً لا تتحقق للشباب في عمرهم، إضافة إلى أن غالبيتهم من فئة الموظفين فيما غاب عشرات الآلاف من المسجلين في قوائم «الباحثين عن عمل»، والمثقفون الذين يقدمون أنفسهم على أنهم سباقون للتضحية بالغالي والرخيص من أجل قضايا الشأن العام والحريات. وظهر عدد قليل جداً من الناشطين، ومع حلول الظلام على مدينة الخوير، التي تعتبر قلب العاصمة مسقط الرسمي والديبلوماسي، تفرق الشباب المشاركون بعدما رافقهم رجال الشرطة والأمن وكأنهم مشاركون معهم، ما دفع بالمدونين إلى الإشادة بهم وبالتعامل الحضاري الذي جعل من مسيرتهم رسالة شبابية سريعة وهادئة. هذه الرسالة وإن غابت عن الإعلام العماني ما عدا صحيفة واحدة نشرت الخبر، إلا أنها معروفة في أروقة الحكومة ومطالبها مطروحة على مسارات عدة من بينها مجلس الشورى الذي يسيطر عليه جيل الشباب في شكل لافت. وأشار مسؤولون حكوميون في تصريحاتهم الصحافية الى أن ارتفاع الأسعار قضية عالمية تتحكم فيها الدول المصدرة للسلع بخاصة الغذائية، فيما ترتفع أعداد القوى العاملة الوافدة في شكل كبير لتزيد عن ثلث عدد المواطنين العمانيين. ومع هذا التحرك، أدخل الشباب في عمان وخصوصاً اعتصام المعلمين، مفردة إعلامية جديدة لم تكن متداولة في السابق مع وجود صحف رسمية أو أهلية لا تحبذ نشر أخبار المسيرات والاعتصامات، وإن فعلت فعلى خجل. لكن احتجاج المعلمين على سوء أحوالهم وجد صدى في المنتديات والمدونات على الشبكة العنكبوتية وكذلك في بعض الصحف الأهلية. ولعبت الإنترنت دوراً رئيساً في التواصل بين المعلمين لتنفيذ الاعتصام في عدد من مدارس السلطنة، وحددوا مطالبهم كما أورد موقع إلكتروني في 11 نقطة هي: زيادة رواتب الهيئة التدريسية والإدارية بما يتناسب والعمل الكبير والمسؤولية الملقاة على عاتقهم، وإلغاء نظام الترقيات في التصنيف الوظيفي الجديد لأنه مجحف، وإيجاد نقابة أو جمعية للمعلمين تهتم بشؤونهم وحاجاتهم وقضاياهم، وتغيير موعد بداية العام الدراسي بحيث يكون كالسابق قبل دوام الطلاب بأسبوع واحد فقط، وتغيير توقيت الدوام اليومي بحيث يكون انتهاء الدوام عند الساعة الواحدة ظهراً وإلغاء زيادة نسبة الاستقطاع من الرواتب، وإرجاع نظام التقويم السابق أي عدم تصعيد الطلاب في حال الرسوب، وتوفير بدل أي عمل إضافي يقوم به المعلم خارج نطاق تخصصه وتدريس مادة مناهج البحث، والإشراف الصحي ومتابعة صحة الطلاب، والاهتمام بالمرضى منهم، ورفع مكافآت تصحيح الامتحانات النهائية وعدم تأخير إرسالها وتوفير جو ومكان مناسبين للتصحيح، وصرف بدل للمراقبين لامتحانات شهادة الثانوية العامة، وتوفير مستلزمات واحتياجات المعلمين على مستوى المدرسة (كما هي الحال في باقي المؤسسات). وأشار معلمون إلى نظام التعليم الذي رأوا أنه «يسير من سيئ إلى أسوأ نتيجة القرارات التعسفية وغير المدروسة، وبهذا فهم يطالبون بتصحيح أوضاعهم وأوضاع التعليم في البلاد في شكل عام، ومنها تغيير المناهج التي غُيرت بطريقة يرون أنها أخلت بالجانب التعليمي وأضعفت من مستوى الطلاب»، وشددوا على أنهم «باتوا معرضين لتجاوزات من الطلبة وكرامتهم استبيحت على أيدي المشاغبين في المدارس والذين لم يعود في حسبانهم المدرّس وهيبته». وقال أحد المدرسين انه يمنع على المعلم ضرب الطالب وقد يعرضه ذلك للعقوبة لكن ضرب الطالب المعلم يعد سوء سلوك على المعلم الترفع عنه!