في خضم اختلاط الحابل بالنابل، وتداخل المجموعات المحتجة والقوى المؤيدة، وتكاثر الشكوك حول ماهية الجهات الضالعة بين كلا الفريقين، وجدت قنوات فضائية عدة (بعيداً من القنوات الرسمية) نفسها بين شقي رحا، فإذا شملت التغطية مساحة للجماعة المعارضة، وجد الإعلاميون التابعون لتلك القناة أنفسهم معرضين للضرب من قبل الجماعة المؤيدة، والعكس صحيح. ويبدو أن البقاء في ميدان التحرير في القاهرة لأيام طويلة دفع بالأعصاب إلى درجة ما قبل الانفجار. حكايات بعضها مصور وموثق، وبعضها الآخر تناقله الإعلاميون عن حوادث اعتداء وعنف وقع ضحيتها زملاؤهم. ومنهم، مثلاً، الزملاء من المراسلين في قناة «العربية»، وهي القناة التي اعتبر كثيرون من المصريين تغطيتها موضوعية، إذ التزمت عدم الإفراط في تصوير اللافتات الموجهة ضد رموز النظام، كما التزمت الحياد في نقل صوت المحتجين، إضافة الى أنها قدمت أثناء الغياب الأمني خدماتها للمصريين، من خلال عرض أرقام الطوارئ والاتصال بالقوات المسلحة. وعلى رغم ذلك، اندس بين الصفوف من روّج ل«العربية» باعتبارها بديلاً لقناة «الجزيرة» التي أُغلق مكتبها. ولأن تغطية التلفزيون الرسمي المصري كانت نقيض ذلك، أي الاكتفاء بتغطية أخبار وفعاليات الجماعات المؤيدة للرئيس حسني مبارك، مع نشر الأخبار التي تؤكد اندساس عناصر أجنبية وضلوع قنوات فضائية في محاولة نشر البلبلة وحرق مصر والمصريين، تولَّد لدى رجل الشارع قدر غير قليل من مشاعر العداء تجاه أي كاميرا في موقع الحدث. فوجد المراسلون أنفسهم وقد وضعوا في خانة الأعداء، فالإشاعات كثيرة، واتهامات العمالة نالت الجميع. أما مراسلو وسائل الإعلام الغربية، الذين توافد كثيرون منهم إلى مصر لنقل الأحداث، فباتوا يشعرون بالخطر أيضاً، حتى من دون أن يحملوا كاميرا، فمشاعر التوتر جعلت أي شخص يحمل ملامح أوروبية في المدن الكبرى التي تشهد التظاهرات، مهدَّداً بالخطر. وللمرة الأولى منذ عصر الرئيس جمال عبد الناصر حين كانت اتهامات العمالة والتجسس هي الأكثر رواجاً والأعلى انتشاراً، بدأ الشارع المصري يتحدث عن العملاء الأجانب المندسّين تحت ستار الصحافة، لنشر الفتنة وتقويض وحدة الوطن. وبدلاً من الترحيب الذي كانت كاميرات القنوات التلفزيونية تلقاه في مواقع الأحداث، باتت ردود الفعل غير متوقعة، ما دفع عدداً من القنوات الإخبارية الى مناشدة المصريين تسهيل مهمة مراسليها الذين لا يهمهم سوى نقل الحدث. الفوضى التي تعم الساحة الإعلامية، والتي هي جزء لا يتجزأ من فوضى الشارع المصري، بسبب تداخل جماعات المصالح ومجموعات الاصطياد في المياه العكرة، دفعت الإعلام ليكون طرفاً في الخلاف. والرابح الوحيد في استعداء الشارع تجاه المراسلين والإعلاميين هم القائمون على محاولات إملاء نوع التغطية للأحداث، لتكون أحادية الاتجاه، ولا تخدم سوى طرفٍ واحد على حساب الآخر، وهذا ليس إعلاماً!