نستيقظ مع عصافير الفجر، مع تثاؤب الشجر الناعس، مع صرير الدكاكين عندما تفتح، نتجول بسراويل منهوشة من عند الركب، ونصف وجوهنا مغسولة! نجعل من زقاق مسكين ملعب بهجة، نقطة إزعاج لبنات الحارة، مجلس شعب نتناول فيه معنى أن نفطر في قلب الحارة أو في حارات أخرى. نلعب بالكرة، بالمدوان أحياناً، نطير أوراقاً من حب، نتزلف من خبّاز أفغاني أن يرزقنا أرغفة أخرى فالأطفال الجوعى ينتظرون. تحت النيم، نلقي في منتصف الجمع جريدة، نقذف عليها أرغفة الخبز، جبنة بيضاء وحلاوة طحينية، وفولاً بالسمن ونأكل. نتحدث عن بينوكيو، عن أشهر كذبة، عن أجمل بنت في الحارة، عن وحوش نرقبهم من بعد، عن فيلم الكرتون الذي يأتي عصراً. نترك سفرتنا لطيور محكية، لحمام جائع، لغرابيب، نتوجه للملعب، إلى كرة الشعوب، لم نعرف حينها أي مهج أخرى، ننسى يوم السبت المزعج. نلعب دون حدود، دون حكم ساحة، دون خطوط، في ملعب حارتنا نحكم ضمائرنا، ثم نغسل وجوهنا وقلوبنا وخيبة النتائج، عند أول ثلاجة سبيل. في كل باب في الحارة أم تحضننا تداوي بعض جراح اللعبة، ترسلنا لدكان، لشراء حوائجها تعطينا قبلة، وللجيران تحايا خضراء ومواعيد زيارة. أبواب الحارة مفتوحة، تسحب حبلاً متدل دوماً، تطلق سلاماً يصدح، لتضع طعاماً ساخناً، لتفتح ثلاجة أم أخرى، لتشرب لتضع تفاحاً أخضر في جيب البنطال. بنت الجيران تدرس في الصبح وتغزل كل مساء وتصنع بسكوتاً، تعلم أبناء الجيران جدول الضرب، وتحفظهم آيات الذكر، وتحب بصمت، وتبكي بصمت. في الحارة ننزع المرح من وجه الأرض، نرص حجاراً سبعة، نطارد متهماً منا، نجمع حطباً من شجر مأزوم، نوقد ناراً، يصدح خشب المزمار صبح العيد. الحارة كانت تنام مشرعة الأبواب، للضيف القادم في منتصف الليل، لم تمت أشجار الريحان عند الأبواب، لأن حارتنا كانت تحب الأشجار. نتسلى في الحارة قبل غروب الشمس، على دكات لم تتعب منا، نتحدث عن رسام الحي، عن ملعب مدرستنا المهجور، عن شجرة اللوز التي ستزهر بعد شهور. نتواعد قبل غروب الشمس أن نذهب «برا» الحارة لصيد الجنادب في إجازة الأسبوع القادم، ونمر على مخبز متهالك يبيع أكواب الكعك، الأربعة بريال واحد! ننام ليالي السبت الكدرة على أمل أبيض نحلم بصيد الجنادب في الأسبوع القادم بكعك رخيص ساخن بقوارير كولا بنصف ريال، لنرسم بسمة وسط النوم. * روائي سعودي. * قاص سعودي.