لا تزال البقالات الصغيرة والبسيطة في محافظة الأحساء، تتمتع بالسمات ذاتها من دون تطوير أو تغيير، من المساحة الصغيرة جداً التي لا تكفي لأعداد كبيرة من الزبائن، إلى طاولة العرض التي يجلس خلفها البائع وغالباً هو مالك البقالة، وصولاً إلى المواد الغذائية والتموينية الرئيسة البعيدة عن الترف، والقريبة من معدل الاستهلاك وقيمته بالنسبة إلى ساكني القرى والأرياف، وما كان ولا يزال يميزها أيضاً التزامها بالإغلاق الباكر الذي لا يتجاوز العاشرة مساء، لتجد أبوابها مغلقة وأضواءها مطفأة. يقول سامي جواد العلي، وهو ابن صاحب إحدى البقالات: «منذ أن اشترى والدي هذا الدكان الصغير من أخيه قبل نحو 29 عاماً، لم يتغير إلا البضائع، وبعض التحسينات البسيطة على الجدران، إلا أن الدوام فيها متبقٍ كما كان، يفتح والدي باكراً جداً بعد ساعتين من صلاة الفجر، ويسلمنا أنا وأخوتي المفاتيح من بعد صلاة المغرب ونغلق بعد التاسعة، أو العاشرة في أيام العطل الرسمية والمناسبات». ينتهي اليوم باكراً في القرى، لعدم توافر المجمعات والمراكز التجارية الضخمة فيها، حتى أن المطاعم التي تحاول تلبية طلبات الزبائن حتى ساعات الليل المتأخرة، وفرت خدمة توصيل الطلبات، وذلك لخلو معظم الشوارع من الناس، ويتحول السهر في بعض الأيام داخل المنازل أو الاستراحات الخاصة المؤجرة بالنظام اليومي أو السنوي بالنسبة إلى الشبان. وعن تأثير هذا القرار على سكان القرى، قال عبداللطيف محمد الظفر: «لا أعتقد أن التأثير سيكون أكبر من سكان المدن التي اعتادت على أن تكون شوارعها مزدحمة بالناس، ومحالها لا تغلق إلا بعد منتصف الليل، والبيئتان تختلفان، ومن الطبيعي أن يكون للقرار تأثير في البيئتين لكن بنسب متفاوتة». وأوضح: «عدد المراكز التجارية لا يذكر مقارنة بالدكاكين والبقالات الصغيرة، وربما تجد اثنتين أو ثلاثاً متجاورات في الشارع الواحد، ومنذ زمن بعيد تحتضن جلسات كبار السن، وفي السابق جلسات الشبان في الظهيرة والليل، إلا أن تغير الحياة وتطورها سرق الشبان من هذه الأماكن». وذكر أنه «بما أن رواد البقالات من كبار السن، والذين لا يمكن أن يستمر السمر عندهم لساعات متأخرة لأنهم اعتادوا النوم باكراً والاستيقاظ الباكر، لذا نؤكد أن تأثير القرار لن يكون بحجم المدن التي تستقبل إلى جانب ساكنيها سكان القرى المجاورة، وتجد الشوارع والمحال مزدحمة حتى مع ساعات الليل المتأخرة». وقال عبدالله الراشد: «دائماً ما كنا نردد أن الحياة في المحافظات ومنها الأحساء مثلاً تنتهي مع حلول الليل، فلا أماكن ترفيهية أو سياحية واعتدنا على الموضوع، وفي القرى المنتشرة في الأحساء تبدأ حياة الليل في المجالس والمنازل والقليل من المقاهي الشعبية والحديثة». وأوضح أنه «بمرور واحد فقط على مراكز البيع ستجد أن فترة الذروة لدى الأحسائيين تبدأ من بعد صلاة المغرب وتنخفض تدريجياً، وذلك لطبيعة الحياة في الأحساء، ولأن العشاء يبدأ باكراً، ولا يمكن أن يتأخر، ولهذا اعتدنا على أن تنتهي حاجتنا إلى التسوق في ساعات الليل الأولى». وتعتمد بعض القرى على الدكاكين والبقالات الصغيرة، التي أصبحت جزءاً من الثقافة المحلية لسكان تلك القرى، وغالباً ما تكون جزءاً من بيت صاحبها وملاصقة له، ويرى البعض أن من كسر توقيت هذه البقالات وجعلها تمتد لساعات متأخرة حين تحولت لأيادي العمالة الوافدة، إذ يحرص البعض على أن يأخذ مبلغاً مقتطعاً شهرياً من العامل ويسلمه إدارة البقالة، ما يجعله ينشط في ساعات الدوام لفترة أطول لتحقيق أرباح جيدة. من جهة أخرى، تساءل صالح الحماد: «كيف ستطبق البقالات والمحال والدكاكين التي تقع داخل الأحياء السكنية الضيقة في القرى القرار؟»، مضيفاً: «بعضها لا يغلق أبوابه حتى في أوقات الصلاة، والوصول إليها يقتصر على سكان الحي القريب منها، وعددها ليس بالقليل». وأوضح أن هذا القرار «سيجد من يتحايل عليه، فبعض المطاعم مثلاً لم تطبق القرار السابق في الإغلاق قبل ال12، وتبقى أبوابها مفتوحة لساعات الفجر الأولى، وفئة الشبان بالتحديد هم الزبائن الأكثر إقبالاً عليها، ولا أعلم كيف سيتغير هذا السلوك مع هذا القرار؟». وقال الحماد: «في القرية الواحدة يتجمهر كثيرون عند المخبز الوحيد، والمركز التجاري اليتيم بعد صلاة المغرب، فما بالك بالساعات الأولى مع تطبيق قرار الإغلاق الباكر، ستشهد الشوارع والمحال في هذا الوقت استنفاراً كبيراً يشبه وقت قبل الإفطار في أيام رمضان، إذ يتسابق الناس لتوفير المواد الغذائية في وقت قصير، ونحن لا نخفي قلقنا من هذا الموضوع».