نعم ونعم كبيرة تماماً. الحفاوة التي تستحقها مركبتا فضاء تمثّلان المغامرة الأطول عمراً في اكتشاف البشر الفضاء الكوني. والأرجح أنّه يحق للإنسان أن يحتفي بالمركبتين اللتين صنعهما، فاستطاع الوصول إلى الكون العميق الفعلي، وهو الفضاء النجمي الهائل الذي يحيط بشمسنا ومنظومة الكواكب والأجرام التي تدور حولها. ويزيد في الحفاوة المرافقة لمرور أربعين عاماً على انطلاق مركبتي الفضاء «فوياجر- 1 و2» أنّ أهداف رحلتيهما كانت متواضعة نسبيّاً في ذلك الصيف من عام 1977، لكنها توسّعت تدريجاً. وأذهلت المركبتان حتى صنّاعهما بقدرتهما على تجاوز الطواف بين كواكب المنظومة الشمسيّة، للدخول إلى الفضاء النجمي الهائل، إذ استخدمت كل منهما دورانها حول كواكب سيّارة في المنظومة الشمسيّة، كي تنطلق إلى الأبعد، فكأنها حجر في خيوط مقلاع هائل لا يلبث أن ينفلت ليطوي مسافات شاسعة. وقبل الاستمرار في الحديث عن أربعة عقود على انطلاق المركبتين «فوياجر»، ربما يفيد لفت الأنظار إلى أنهما مسباران - روبوتان، ويعني ذلك أن الروبوت سبق صنّاعه البشر في الوصول إلى الفضاء الكوني الفعلي، تماماً مثلما حصل في الوصول إلى القمر الذي حطّت عليه مركبات روبوتيّة أميركيّة وسوفياتيّة، قبل أن يمشي الراحل نيل أرمسترونغ عليه صيف عام 1969، أي قبل قرابة نصف قرن. وتكرّر أمر السبق الروبوتي، في الوصول إلى كواكب المجموعة الشمسيّة واستكشافها. وهناك مفارقة لافتة تتمثّل في تزامن الذكرى الأربعين لانطلاق مركبتي الروبوت إلى الفضاء الكوني الفعلي، مع مرور عشرين سنة على الهزيمة الأولى للبشر أمام الروبوت، بخسارة البطل الأسطوري غاري كاسباروف أمام الروبوت «ديب بلو» في 1997. أهي مجرد مصادفة؟ أم أنّ الزمن يخبئ للبشر مفاجآت ربما لا تكون سارة كلّها، في علاقتهم مع صنيعهم الذي قدّوه من الحديد ثم زوّدوه بكل ما طالت أيديهم من ذكاء؟ «الأرجح أنّ للكون نهاية في الزمان كما كانت له بداية فيه عند ال «بيغ - بانغ» قبل قرابة 13.8 بليون سنة... أما في المكان، فإن الكون مذهل لأنه لا تظهر له حدود، على رغم زيادة المسافة التي نقدر على الوصول إليها بعدسات تليسكوبات الفضاء كلّها». بتلك الكلمات، وصف عالم الفضاء الأميركي - اللبناني جورج حلو (من مواليد جزين- 1956)، بعضاً مما يعرف عن الكون. وفي مقابلة مع «الحياة»، ذكر أنّ «فوياجر» حملت أسطوانة ذهبيّة نقش عليها ما ارتأى علماء «الوكالة الوطنيّة (الأميركيّة) للفضاء والطيران» (اختصاراً «ناسا»)، أنّه يستطيع تمثيل الحضارة البشريّة كلّها. وعلى ما بات معتمداً في أذهان العلم المعاصر منذ زمن رينيه ديكارت (كان فيلسوفاً وعالماً في الرياضيات التي رأى فيها الشكل الأكثر صفاءً للعقل)، سادت في تلك الأسطوانة الأرقام ومعادلات الرياضيّات وأشكالها. وذكّر حلو بأنّ علماء «ناسا» احتاجوا إلى صورة لإنسان يشرب بأن ترفع يده الإبريق الذي يصب الماء في فمه مباشرة. وسارع حلو إلى الشرب بتلك الطريقة التي يتقنها منذ نعومة أظفاره، فالتقطت صورة الشرب من الإبريق ونُقِشَت على الأسطوانة.