معارك طاحنة تشهدها سورية في مختلف مناطقها، وكلّ يحمل السلاح مؤمناً بقضية علّ هذا السلاح يكون سبباً في قلب الموازين وتحقيق النصر، جبهات كثيرة مع اختلاف الأعلام والرايات، ولكلّ مقاتل قصة أوصلته إلى خط النار هذا. «حسان ناصر العمر» الذي سرقته الحرب من مقاعد الدراسة الجامعية وحرمته من إتمام علمه في قسم المكتبات والمعلومات بجامعة دمشق على رغم أنه كان يفصل بينه وبين التخرج مادتان فقط، إلا أنه وكغيره وقع في دوّامة الملاحقة الأمنية بسبب مشاركته بالتظاهرات ليحطّ بين قضبان سجن النظام منتهياً به الأمر مسلحاً في ريف إدلب وتحديداً في معرشمارين مسقط رأسه. مع اندلاع الأحداث انخرط «حسان» في مجال تهريب السلاح عبر المناطق الحدودية اللبنانية كعرسال والسحل وفليطة، بالإضافة إلى شرائه السلاح من ضباط في النظام السوري وبخاصة ممن يخدمون في الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة والقوات الخاصة في مناطق قريبة من دمشق. السلاح الذي شكّل هاجساً لدى «حسان» جعله منذ بداية الأحداث في سورية يؤمن أنّ ثورته لن تنتصر إلا بالسلاح، لذلك بدأ العمل المسلّح ضمن مجموعة مؤلفة من خمسة عشر فرداً، وحول ذلك يوضّح بقوله ل «الحياة» «كنّا نقوم بعمليات خطف ضباط من معسكر وادي الضيف الواقع في الريف الجنوبي لإدلب، وقمنا بضرب أول مخفر في المنطقة وهو مخفر الحمرا وحصلنا منه على ذخيرة». «حسان» الذي كان يرفض في بداية الأحداث الانضمام إلى أي فصيل مسلح شكل لواء الفرقان وترأسه، وهذا اللواء يعتبر اليوم من أكبر الألوية في المنطقة حيث شارك في معارك كثيرة ضدّ قوات النظام السوري من جهة وضد قوات الدولة الإسلامية من جهة أخرى. الشهادة بلا قيمة يقول «حسان» ل «الحياة» إنّ موضوع ترك السلاح بالنسبة إليه أمر صعب، حيث يشعر بأنه سيفقد جزءاً من شخصيته ويتابع: «أنا كقائد اقترن اسمي في المنطقة بالسلاح دائماً، ومن المستحيل أن أتخلّى عنه بخاصّة أنّ الفترة الفاصلة بين سقوط النظام وما بعد سقوطه طويلة، وحين أجد أن الوقت حان لترك السلاح سأتركه لأعود حينها إلى العمل في أرض العائلة فالشهادة الجامعية في الفترة الحالية والقادمة لا قيمة لها». إسعاف جريح أفضل من قتل آخر في الوقت الذي أكّد «حسان» قائد لواء الفرقان تمسّكه بالسلاح كان ل «أحمد علي الجرك» رأي آخر فعلى رغم التحاقه بصفوف المقاتلين في ريف إدلب لمدة عام كامل إلاّ أنه انتهى به الأمر رامياً سلاحه جانباً ليعمل في مجال الإسعاف الطبي كونه «عملاً إنسانياً وفيه مساعدة للجميع» على حدّ قوله. على رّغم مما يواجهه «أحمد» في عمله من نقص في المواد والمساعدات الطبية إلا أنه يبقى أفضل من الانخراط في المجال العسكري، فقد أكسبه هذا العمل خبرة كبيرة ولكنه يفضّل بعد انتهاء هذه الأحداث «العودة إلى الجامعة لمتابعة دراسته في مجال الهندسة المعمارية ليفتتح مكتباً لإعادة إعمار هذا الدمار الكبير الذي تعاني منه مختلف المناطق في سورية». إعلام الثورة لمن لا يرغب في القتال! ثلاثة ستقابلهم على جبهات القتال من يحمل السلاح، ومن يداوي الجرحى، وأخيراً من يوثق المعارك، و «عدنان السعيد» الذي لم تسمح له الظروف بإنهاء دراسته في كلية الهندسة الكهربائية بمدينة حلب انضمّ إلى صفوف المقاتلين ولكن كإعلامي للثورة على حدّ وصفه. وعن ذلك يقول ل «الحياة» «تركت الدراسة بسبب الأحداث التي تشهدها حلب، إن أهلي يملكون منزلاً في المناطق المحررة من حلب بينما الجامعة تقع في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وهو ما شكل صعوبة كبيرة في التنقل بين المنطقتين، كما أن غلاء المعيشة الذي ضرب سورية بعد أن فقدت الليرة السورية جزءاً كبيراً من قيمتها كان أحد الأسباب التي دفعتني لترك الدراسة والعودة إلى قريتي معرشمارين بريف إدلب». عدنان اعتقل مرة واحدة خلال السنة الأولى للثورة السورية على خلفية خروجه بإحدى التظاهرات من جامعته بحلب، لم يدم اعتقاله سوى ساعات ليطلق سراحه بعدها. عمل بعد عودته إلى قريته في مجال إعلام الثورة، حيث بدأ بتصوير المعارك التي تجري في منطقته مع أحد الألوية، وشارك في العمل المدني للثورة من تصوير للتظاهرات والنشاطات الاجتماعية التي تجري في المنطقة، وحول سبب اختياره لمجال الإعلام الثوري يقول إنه «يسعى بذلك إلى إظهار ما يجري في منطقته من أحداث سواء قصف أو معارك أو إصرار على الاستمرار في الحياة، فالعمل المسلح لم يستهوه ابداً، كما أن حاملي السلاح كثر، والثورة تحتاج إلى من يوثقها بكامل جوانبها وهو ما دفعني للعمل في هذا المجال». يطمح «عدنان» بعد انتهاء الأزمة إلى العودة إلى جامعته وإكمال دراسته في مجال الهندسة والحصول على الشهادة والعمل بها، كما أنه سيستمر بالعمل في مجال الإعلام حيث يقول: «إن انتصار الثورة لا يكون بسقوط بشار الأسد فقط، فهناك الكثير من الأمور التي ستظهر بعد سقوط الأسد ونظامه، ويجب أن يكون هناك أشخاص يوثقون هذه المرحلة، ولذلك سأستمر في العمل بمجال الاعلام».