شهدت الفترة الأخيرة زيادة واضحة في الشكاوى الكيدية، وعلى رغم أن غالبية تلك الشكاوى لا تلقى آذاناً صاغية لدى بعض القضاة، فإنها تترك آثاراً سلبية تبقى في النفوس فترة طويلة، ويقع ضحيتها أناس أبرياء هم في الأصل أصحاب حقوقوإذا كان للأمر بعض السلبيات فإنه من جهة أخرى يقود أحياناً إلى كشف جرائم ومخالفات ترتكب، لهذا يجب عدم إهمال أي شكوى ولو أدى ذلك إلى استنفاد بعض الوقت، في نظر القانونيين. ويعتقد البعض أن الحد من هذه القضايا يتم بالتأكد من الجدية فيها من خلال طلب تعويض مادي للمتضرر وتعزير الشاكي وفرض رسوم على رفع القضايا في المحاكم. وفي هذ الصدد يقول محمد السيد الألباني: «إن البعض لا يستطيعون التقدم بشكاوى لدى الجهات المختصة وهم أصحاب حقوق، خوفاً من العقاب الذي ليس في مكانه، فعلى سبيل المثال قام أحد الأشخاص بالإساءة لشخص له وزنه الاجتماعي، فلما تقدم المتضرر للجهات القضائية قامت الأخيرة بتبرئة المدعى عليه لعدم توافر القرائن والبراهين. بعد ذلك استغل المدعى عليه ثغرة في القانون وطالب برد اعتباره وتعويضه عما لحق به من ضرر، على رغم أنه في الأصل هو الجاني، وذلك بسبب عدم وجود نظام واضح وصريح يبيّن كيف تثبت الشكاوى الكيدية». ويشاركه الحديث علي أحمد العلي قائلاً: «كثيراً ما نسمع عن شكاوى باسم فاعل خير، فإذا كانت هذه الشكاوى على حق فهذا لا جدال فيه، ولكن عندما تكون على باطل من أجل الانتقام فذلك يستدعى وجود عقوبة صريحة للشكاوى الكيدية، وأذكر قضية لامرأة انتهت بالحكم عليها بالسجن لمدة عام وجلدها 300 جلدة بتهمة تقديم دعاوى كيدية وبلاغات كاذبة». ويقول مسؤول في مجلس الشورى (فضل عدم ذكر اسمه): «النظام النافذ حالياً يعاقب صاحب الدعوى الكيدية ويحمله تبعات الدعوى المادية والمعنوية التي لحقت بالمتضرر، وهناك عقوبة يحال بموجبها إلى المدعي العام لمجازاته لقاء هذه الدعوى الكيدية. أما تقدير العقوبة فهو متروك للقاضي بحسب فهمه وتقديره للقضية، يقول ابن القيم رحمه الله الفهم فهمان فهم لواقع القضية ومطابقتها بالواقع وما يتفق معها من الأحكام وهذا شأن القاضي». تساؤلات قبل النظر في «الكيد» ويقول الشيخ حمود الحمادي: «إن الشكاوى الكيدية تصدر من ثلاث أنفس: إما لمجرد الحسد، أو الضغينة والانتقام، وإما أن تكون حقيقة ولكنها مبالغ فيها، والقسم الثالث قليل ولكنها كلها تخضع لدائرة الشكاوى والدعاوى الكيدية». وأوضح أن الأصل فيها التحريم في الكتاب والسنة والإجماع، كما في قوله تعالى «يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة»، وقوله صلى الله عليه وسلم في ما يتعلق بعموم النظر «إنما أقضي بما يظهر لي». ورأى ضرورة أن ينظر لهذا الموضوع من خلال سبعة أوجه الأول: مصدر الشكوى والثاني: أطرافها، والثالث: حقيقة وأصل الشكوى، والرابع: أن ينظر نظراً واسعاً علمياً في العلاقة بين الشاكي والمشتكي، بمعنى هل بينهما عداوة أو خصومة من قبل، والأمر الخامس: هل هذه الشكاوى التي حصلت وأقلقت المسؤولين والمعنيين، هل الذي فعلها لديه أمراض نفسية، والنقطة السادسة: هل هذا الرجل مدفوع بمعنى مغرر به أو مستغلاً ليكون في الواجهة ليكيد ويشتكي ويترافع؟ والسابعة: هي بحث المسألة من جميع الوجوه قبل مساءلة الشاكي، لأن الوقاية بحسب علمي ودراساتي القضائية وسياسة الإدارة العليا خير من العلاج». من جهته، أكد القانوني سلطان الزاحم أن «ضعف الوازع الديني وغياب الجزاء الرادع يعدان السبب الرئيسي في انتشار هذه الظاهرة»، مؤكداً أن الكثير من الموظفين يستخدمون الجهات الحكومية وسيلة للانتقام من خصومهم، ليدخلوا في دهاليز المراجعات والقضايا الروتينية التي تستنزف جهدهم ووقتهم. وقال: «إن الأشخاص الذين أدمنوا تقديم الشكاوى الكيدية باتوا معروفين في مجتمعهم بأخلاقهم الرديئة وافتقاد الشجاعة في المواجهة». بينما يعتقد الباحث محمد الصوفي أن الدعاوى الكيدية «مهما تعددت أشكالها ووسائلها وطرقها فهي في النهاية ناتجة من النفس البشرية، وبخاصة عندما تكون كاذبة وضد المتفوقين وأصحاب الإنجاز في أعمالهم بهدف النيل منهم»، لكنه استدرك موضحاً أن «بعض الشكاوى ربما تحتوي على معلومات حقيقية تقود إلى كشف جرائم ومخالفات أخرى».