يبدو أن القرار الذي اتخذه الثنائي هشام ماجد وشيكو بالتعاون مع أحمد مكي قرار صائب إلى حد كبير، لا سيما إذا كانت الاستعاضة عن ثالثهم المنفصل عنهم أحمد فهمي بنجم مثل أحمد مكي، الذي تناغم في شكل جيد مع نوع جديد من الكوميديا العصرية في مسلس «خلصانة بشياكة» (إخراج هشام فتحي وتأليف محمد محمدي وأحمد محيي)، بطولة دينا الشربيني، أنعام سالوسة، بيومي فؤاد، انتصار، ونجمَي مسرح مصر محمد أسامة (أس أس) ودينا محسن (ويزو). تندلع الحرب في العالم بين الرجال والنساء نتيجةَ شجار صغير وقع في مصر العام 2017 بين زوجين، ومنه انشق العالم إلى فريقين متناحرين. ويقود سلطان (أحمد مكي) فريق الرجال بمعاونة أخيه نوح (هشام ماجد)، أمام جيش النساء بزعامة كرمة (دينا الشربيني). هكذا يجتاح الخراب العالم وتتهدم المدن وتنحدر الحضارة والمدنية إلى «كانتونات» نسائية أو رجالية متناحرة بأدوات بدائية ما قبل الحضارات. يخلق المؤلفان من الموقف مفارقة أساسية خلال الأحداث من الألف إلى الياء، فتوقع إذن أي شيء، ويختاران أن يزيّنا قصتهما الرئيسة ببعض الحكايات الفرعية، وحدات فنية صغيرة داخل الوحدة الأكبر، شكل فني يخالف القالب الكلاسيكي، الأمر الذي تناسب تماماً مع خفة الطرح الكوميدي، ومحاولة تقديم كوميديا فانتازية ذات طابع مصري، وبُعد إنساني شامل. تنهض المفارقات على التناقض بين طرفين هما شطرا المعادلة، منها تميّز الفتيات في شكل نمطي من الثرثرة والمشاعر والتظاهر والمجاملات بينما هن في الحقيقة عضوات في ميليشيا نسائية مسلحة تهدف إلى إبادة الرجال! أما المفارقة على مستوى معسكر الرجال فتتجلى في التناقض بين الأخوين سلطان ونوح. فالأول هو قائد مستبد ذكوري يحكم بالقوة والبطش ويحب أن تمتدحه الرعية وتغني له، ويميل الى محاربة معسكر البنات. أما نوح، فهو العقل المفكر، والصوت المغاير لصوت أخيه. هناك أيضاً شخصية الحاج (بيومي فؤاد)، والحاجة (انتصار)، إذ يمثلان أيضاً صوتاً يدعو الى الهدنة بين الطرفين المتناحرين. أما الشخصية الأكثر إضحاكاً، فهو المحبوب شكير بن كندة (شيكو)، الرجل الوحيد الذي تربي في معسكر البنات وتطبّع بثقافتهنّ، بحيث عاش معهن في غابات خضراء تتخللها البيوت، وهذا ما يبدو من زاوية التصوير الرأسية التي تطرح عبر كادر واحد تصوّر بانورامي لفريق البنات. فيما يسكن فريق الرجال في هنغار كبير مكون من حطام السيارات الهالكة. وتجدر هنا الإشادة بمنسقي المناظر عباس صابر وشعبان خميس، والإكسسواريست أحمد حامد، وماكيير العمل إيهاب محروس، والكوافير وليد الصغير والميك أب آرتيست طارق مصطفى. ويقدم معظم الممثلين أكثر من شخصية واحدة، في سياق الوحدات الفنية الصغيرة التي تنسج المسلسل عبر ثلاثين حلقة، فأحمد مكي يلعب دور سلطان وكلّه، وشيكو يلعب دور المحبوب وماما كندة وسيحة، أما هشام ماجد فيؤدي شخصيات نوح وأجنبي. فيما تقدم دينا محسن شخصيات القائدة العسكرية لجيش البنات منة الله، وشخصية أم عزيزة في واحدة من القصص الفرعية. ويلعب محمد أسامة (أس أس) شخصيات يزيد، وأخته تزيد، وبومة. الخلطة الخلطة السحرية في «خلصانة بشياكة» المتمثلة في هشام ماجد وشيكو وأحمد مكي، تتجلى في محاولتهم إدخال ألوان غير سائدة في الكوميديا المصرية والعربية، عبر تقديم «الكوميديا البذيئة» وينجحون في تمرير بعض الألفاظ السوقية بحيل فنية، منها أن يرد ذكر مفردة سائدة شعبياً لكنها تعد بذيئة عبر دمجها بكلمة أخرى، أو استخدام السجع الفاحش أيضاً والموظف في شكل فني جيد في الوقت عينه، ولا أدل على ذلك من كتاب الرجال المرجعي/ ذي الغلاف الأزرق الذي ورثه سلطان ونوح من والدهما زعيم المقاومة الرجالية (عمرو عبدالجليل– ظهور خاص)، والذي يضم أقواله المأثورة وحكمه وخلاصاته ضد المرأة. ويتسم الكتاب بالقدم، وتتجلى بذاءة الألفاظ عند مطالعة الغلاف فثمة حرف ممحو بفعل الزمن من إحدى كلمات عنوان كتاب «وصايا الأب»، والذي يحمل دلالة لكلمة بذيئة يستخدمها بعضهم في الواقع. هذا التوظيف للبعد المحلي والتوجّه الشبابي الحاد، يتقاطع مع عالمية فكرة العلاقة بين الرجل والمرأة، مدعّماً بمؤثرات بصرية جيدة، وديكورات ممتازة، ما يصنع الكوميديا الخاصة ب «خلصانة بشياكة». ربما لا ينتقص من تلك الكوميديا سوى أن بعض إفيهات أحمد مكي قد تكون غير مفهومة بالنسبة الى من لا يتابع الكثير من «التريندات أو الاتجاهات» على السوشيال الميديا، الأمر الذي قد يحد من تأثيرها وانتشارها. يطرح «خلصانة بشياكة» نمطاً من الكوميديا الفجة والمتطرفة في بعض تفاصيله، ففريقا الرجال والنساء يتبادلان الشتائم. وحتى محاولات الإضحاك ترتبط بأفعال شديدة التطرف، تعكس طبيعة المجتمعين البدائيين المتحاربين، كأن يأكل فريق الرجال الضفادع المطبوخة من دون سلخها. في المقابل يمكن رصد رؤية كليشيه للمرأة مع عملية تسطيح كأن تكون ثرثارة الى حد إمكان توليد الطاقة من طريق وضع فتاة ثرثارة داخل حجرة، بحيث يتم تحويل ثرثرتها إلى طاقة تضيء معسكر فريق البنات. أو فكرة الهوس بالمكياج والزينة بحيث تحرص المرأة منهنّ على ضبط المكياج وهي على بعد دقيقة من معركتها أمام الرجال. وعلى رغم هذا التنميط، يُقدّم المسلسل الافكار في شكل فني، ويغزل في ثنايا الدراما، وفقاً لمنطق داخلي مستقل، ينفصل تماماً عن الواقع الراهن الذي تم التمهيد له عبر تنويه في بداية كل حلقة ينص على: «تدور أحداث المسلسل في عصر ما بعد الدمار سنة 2041 بعد خناقات بين الرجالة والستات أدت الى حرب عالمية ثالثة، وبالتالي فهذا المسلسل لا يمت للواقع بصلة، وأحداثه كلها من وحي خيال الكتاب. وشكراً».