ظل «الإخوان المسلمين» يتصدرون الشارع السياسي في مصر خلال العقود الماضية باعتبارهم أكبر قوة قادرة على تعبئة الجماهير، لكن مع ظهور قوى الشباب التي لا تجمعها أيديولوجيات سياسية وتراجع دور النخب، بدا أن الجماعة تسعى في محاولات حثيثة للبحث عن دور واستعادة الصور القديمة. لكن تلك المحاولات تواجه صعوبات عدة، أولها المخاوف التي يبديها الليبراليون واليساريون في مصر من أسلمة الدولة، خصوصاً في ظل ملفات عدة تبقى عالقة، في مقدمها موقف «الإخوان» من الدولة المدنية، كما أن حركة الشباب على ما يظهر يصعب توجيهها، ناهيك عن أن المجتمع الدولي يتخوف بشدة من تصدير النموذج الإيراني إلى مصر. ومنذ بدء التظاهرات الاجتجاجية، حمّلت السلطة «الإخوان» مسؤولية العنف والانفلات في الشارع، وتحدثت عن «قوى تسعى إلى استغلال الظروف الراهنة»، بل وصل الأمر حد إعلان توقيف العشرات من المنتمين إلى الجماعة المحظورة رسمياً، ضمن معتقلين «ينشرون البلطجة ويروِّعون الآمنين»، وهي اتهامات لم تتوقف حتى أمس. وأعلن «الإخوان» أمس رفضهم الحكومة التي أدت اليمين الدستورية أمام الرئيس حسني مبارك. وأكدت الجماعة في بيان «الرفض التام لتشكيل الحكومة الجديدة التي تعد التفافاً على إرادة الشعب»، داعية المتظاهرين إلى «الصبر والمثابرة... والتحرك في مسيرات حاشدة في أنحاء القطر المصري كافة حتى يترك هذا النظام كله السلطة، برئيسه وحزبه ووزرائه وبرلمانه». ونوهت إلى أنه «إذا كان النظام لا يزال مصراً على عناده ومحاولاته الالتفاف على هذه الانتفاضة المباركة من أجل إجهاضها، فلا بد من اليقظة والحذر وعدم الانخداع بهذه العروض الماكرة، ولا بد من أن ندرك... أن عدم الانصراف حتى تحقيق التغيير الجذري للنظام بكل أركانه وأشخاصه وسياساته هو السبيل الوحيد للوصول إلى كل هذه الأهداف». ودعت المتظاهرين والقوى السياسية إلى «الوحدة والتناصر والالتحام وتقديم المطالب الشعبية العليا على المطالب والشعارات الخاصة». وختمت الجماعة بيانها بالإعراب عن تقديرها للجيش، وثقتها بأنه «سيظل منحازاً إلى الشعب الذي يضفي الشرعية على أي شخص أو برلمان أو وزارة، وأنه لن يستجيب إلى محاولات النظام لاستخدامه ضد أهله وإخوانه وشعبه... وأنه لن يكون إلا نصيراً لشعبه». وتضمن خطاب تكليف الرئيس حسني مبارك لرئيس الحكومة الجديد الفريق أحمد شفيق، إيماءات إلى دور «الإخوان» في ما يحدث من انفلات، لكن الجماعة ترفض تلك الاتهامات بشدة، وتؤكد أنها شاركت في التظاهرات كجزء من الشعب. واعتبر القيادي «الإخواني» البارز الدكتور محمد البلتاجي أن الحديث عن دور الجماعة في الفوضى «حديث عفّ عليه الزمن ولم يعد مقبولاً»، محملاً وزارة الداخلية مسؤولية إثارة الفوضى، «وهو أمر الثابت وليس له محل من الشك». ويلحظ الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية» الدكتور نبيل عبدالفتاح محاولات بدأتها الجماعة في الأيام الماضية لتصدر المشهد وإظهار أنها قادرة على تنظيم الأمور وضبط الانفلات. ويقول عبدالفتاح ل «الحياة»: «رأينا خلال اليومين الماضيين محاولات الإخوان للسيطرة على حركة الجماهير في الشارع، واستغلال أوقات الصلاة في تعبئة الناس خلفهم إضافة إلى تضارب في تصريحات قادتها في شأن مسألة تفويض (الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد) البرادعي، فتارة يقولون نعم فوّضناه (التفاوض مع الحكومة) وتارة أخرى ينفون ذلك. هذه المشاهد تظهر تحسس الإخوان لدور في المستقبل». وأظهرت تصريحات عدد من قيادات «الإخوان» الداعمة للبرادعي محاولة للعودة إلى صدارة المشهد. وقال القيادي في التنظيم الدولي للجماعة كمال الهلباوي، إن «الإخوان يدعمون بقوة البرادعي رغم التضارب في التصريحات التي تخرج عن إخوان الداخل»، ما أكده البلتاجي، مشيراً إلى أن جماعته تثق في أن البرادعي «قادر على قيادة مرحلة انتقالية». غير أن عبدالفتاح يرى أن «جماعة الإخوان ستكون واهمة إذا كان في ذهن قادتها القدرة على تصدر المشهد»، مشيراً إلى صعوبات بينها، أن «من شأن ذلك الدفع بالمؤسسة العسكرية للسيطرة على البلاد، كما أن الجماهير لن تسمح باستيلاء أحد على الإنجاز». وينفي البلتاجي ل «الحياة» سعي جماعته إلى «الاستيلاء» على الانتفاضة الشعبية. ويقول إن «الإخوان مستمرون في قلب الثورة الشعبية حتى تتحقق أهدافها الوطنية وليس في واجهتها... سنظل في قلب الحدث ولا نسعى إلى تصدر المشهد او استغلاله». وحذّر من «محاولات النظام لتصدير الثورة للغرب على أنها ثورة إسلامية». وقال: «حريصون على ألا نكون في الواجهة. لا نستغلها ولا نوظفها لصالحنا... نحن نتحدث عن أجندة وطنية للإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد، وليس عن أجندة إخوانية». وطالما استخدمت السلطة في مصر الجماعة فزاعة للمجتمع الدولي حين يأتي الحديث عن ضرورة إجراء إصلاحات سياسية. وكان ذلك واضحاً في تحذيرات أطلقتها قيادات في الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم للغرب من التعاطي مع الأفكار التي يطرحها البرادعي، مشيرين إلى ما يزعمون أنه «تناغم واضح» بين المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية و «الإخوان المسلمين».