تلتقي أحداث تونس مع الأحداث التالية في مصر في أن ثورة شعبية عصفت بكل من البلدين، غير أن الثورة نجحت في تونس لأن انقلاباً عسكرياً رافقها بتأييد قيادة الجيش الشارعَ ضد الرئيس، أما في مصر فالجيش لا يزال يؤيد الرئيس حسني مبارك الذي سيبقى ما استمر التأييد. الرئيس مبارك عيّن عسكرياً نائباً له، وعسكرياً آخر رئيساً للوزراء. ولا يمكن فصل القرارين عن محاولة الرئيس كسب ولاء الجيش، أو تقديمه أهمية هذا الولاء على ثورة الشارع على حكمه. بعض مشاكل الرئيس من صنع يديه فهو كان يستطيع مكافحة الفساد، بل جعل مكافحته شعاراً يلتف الناس حوله، والفقير يرى مظاهر البذخ فوقه، وهو لا يعرف من أين سيأتي قوت يومه أو غده. والرئيس كان يستطيع أن يطلق الحريات المدنية، بدل الاستمرار في العمل بقانون الطوارئ منذ 1981، أي على امتداد ثلاثة عقود متتالية. ونقول «غلطة الشاطر بألف»، وكانت غلطة الرئيس مبارك الانتخابات النيابية الأخيرة، فعدم فوز الإخوان المسلمين بأية مقاعد لا يعني سوى أن الانتخابات مزورة، وفي حين أنني شخصياً لا أريد أن يحكمني شيخ الأزهر أو بابا الإسكندرية، فإنني فوجئت بنتائج الانتخابات وكتبت أن من غير المقعول أن يعجز مرشحو الإخوان المسلمين عن انتزاع مقاعد كثيرة. هذه الخسارة ذكّرتني بكلام ينسب الى الرئيس ليندون جونسون، فهو ثبت ج إدغار هوفر رئيساً لمكتب التحقيقات الفيديرالي (إف بي آي) رغم سوء سمعته والشك في قانونية بعض تصرفاته، وقال جونسون رداً على المنتقدين: «من الأفضل أن يكون (هوفر) داخل الخيمة ويبوّل الى الخارج، بدل ان يكون خارج الخيمة ويبوّل الى الداخل». الإخوان المسلمون قبلوا ان يخوضوا الانتخابات الأخيرة التي قاطعتها أحزاب عدة، ولو أنهم فازوا بمقاعد لكانوا أقل حدة في المعارضة، أو نشاطاً في تحريك الشارع ضد الرئيس والحكومة. هذه الحكومة كانت ناجحة في العمل الذي شُكلت من أجله، وهو التركيز على الاقتصاد، إلا أنها دفعت ثمن أخطاء الحكم، وأخشى الآن في الفوضى القائمة أن تضيع الإنجازات الوحيدة للنظام في السنوات الأخيرة، فرأس المال الأجنبي قد يهرب خوفاً، والاستثمارات الأجنبية المتوقّعة ستتوقف إذا لم يعد الاستقرار بسرعة، والبورصة ستخسر، وحركة البناء ستنتكس، وقد تتبعها إفلاسات للشركات والأفراد. وإذا كان كل ما سبق لا يكفي فهناك التدخل الأميركي السافر في الشؤون الداخلية لمصر، فمنذ بدء الاضطرابات وأنا أسمع تصريحات مصدرها واشنطن تقول للرئيس ما يجب أن يفعل أو لا يفعل، مع طلبات للإصلاح كأن الطالب ناخب مصري، ومع هذا كله حديث عن قطع المعونة السنوية لمصر أو خفضها. أولاً المعونة ليست لمصر، وإنما هي لإسرائيل لتبقى مصر في عملية السلام، وثانياً إذا كان حسني مبارك يواجه مشاكل، فإن سبب نصفها على الأقل يعود الى ان شعبه يراه في حلف مع أميركا وهو لا يثق بالسياسة الأميركية، حتى مع وجود رئيس معتدل من نوع باراك أوباما، وثالثاً، فالدفاع الأميركي عن الرئيس مبارك يؤذيه عند غالبية شعبه للسبب الوارد في النقطة السابقة. نقرأ ان الذي ينسى درس التاريخ محكوم عليه بإعادته، وإذا نسي الأميركيون درس ايران سنة 1979، فهم سيواجهون مثله في مصر سنة 2011، لأن أي نظام سيخلف نظام حسني مبارك سيكون بعيداً عن السياسة الأميركية ان لم يكن معادياً لها، وفي حين انني لا أتوقع أن يحكم رجال الدين، أو الإسلاميون من نوع الإخوان المسلمين، مصر، فإنني أخطأت في السابق، وربما أكون مخطئاً مرة أخرى، وإذا حكمت الجماعات الدينية في مصر فهي ستكون على عداء مكشوف مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل. أسجل هذا الاحتمال من دون أن أرجحه، وإنما أرجح أن يكون الدور الأكبر في ادارة البلاد مع الرئيس حسني مبارك أو من دونه للقوات المسلحة المصرية، فهي الجناح الأكثر قدرة وفاعلية وتماسكاً في مؤسسة الحكم، ومدير مكتب «الحياة» ومساعدوه كانوا في افتتاح البرلمان الأسبق عندما غاب الرئيس عن الوعي 20 دقيقة، ورأوا بأم العين أن جميع الاتصالات الخارجية والواردة في العشرين دقيقة تلك كانت مع المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع، ولا أحد غيره. هذه القوات المسلحة تظل ضمانة لحاضر مصر ومستقبلها. [email protected]