البحر بات ملوثاً عدا عن أن الأنشطة البحرية مكلفة في لبنان، أما السفر لقضاء عطلات خارج لبنان فقد أصبح مقروناً بكوابيس التأشيرات والهجمات الإرهابية. وكانت الجامعة الأميركية في بيروت عممت قبل شهرين على طلابها وأساتذتها وموظفيها أن تحليل مياه البحر عند شاطئ الجامعة أظهر «مستويات من البكتيريا فوق المستوى المقبول» ونصحت بعدم السباحة في البحر، وهو الأمر الذي يمكن تفسيره بسهولة من خلال ملاحظة مواقع مطامر النفايات المستحدثة في منطقتي برج حمود والكوستا برافا قرب العاصمة. كما شهد شاطئ الرملة البيضاء الشهير قبل أسبوعين ظاهرة تحول مياه البحر من اللون الأزرق المعتاد إلى الأخضر نتيجة تكاثر عوالق بحرية قد يكون مرتبطاً بالتلوث أيضاً. وحتى قبل التلوث الأخير، الشواطئ المجانية نادرة في لبنان مع استيلاء متنفذين على غالبية الشواطئ وتحويلها مؤسسات سياحية تجارية، الأمر الذي زاد من كلفة ممارسة النشاطات البحرية كثيراً. وتقول الطالبة الجامعية سلمى (23 سنة) أن «مشوار البحر إلى شاطئ في جبيل أو شكا متضمناً رسم الدخول والطعام والمرطبات والمواصلات غالباً ما يتعدى 40 دولاراً للشخص الواحد» وتشرح الشابة أنها ورفيقاتها يقصدن شواطئ عادية، لا تلك الفاخرة ذات الكلفة الأعلى، وأن هذه الكلفة تعادل 5 في المئة من مصروفها الشهري الأمر الذي تعتبره غير مقبول، «نحن أبناء مدن ساحلية، نقطع عشرات الكيلومترات بحثاً عن شاطئ أقل تلوثاً وندفع 5 في المئة من مصروفنا لنرفه عن أنفسنا ولو لساعات!». الرحلات السياحية القصيرة إلى خارج لبنان أمست مطروقة أكثر مع ارتفاع الأسعار فيه، فرحلة لبضعة أيام إلى شواطئ تركيا أو اليونان التي تعد أفضل من الشواطئ اللبنانية، تكلف أقل من قضاء وقت مماثل في لبنان «للتمتع بمياه البحر الملوثة بنفايات المطامر» على حد قول شاب من مفضلي الإجازات في الخارج. لكن تبقى الخشية من الأوضاع الأمنية أو عملية إرهابية ما، فذاكرة اللبنانيين لم تنس بعد سقوط شبان لبنانيين ضحايا هجوم إرهابي في إسطنبول ليلة رأس السنة. مجموعة من هواة الدراجات الهوائية من بينهم نعيم (27 سنة) ذهبوا الصيف الماضي إلى قبرص حيث قضوا أسبوعاً متنقلين على دراجاتهم في مناطق جميلة وطبيعة خلابة، ناموا خلالها في فنادق على خط سيرهم وتناولوا الطعام في مطاعم محلية. ويقول نعيم «الأمر برمته متضمناً بطاقات الطائرة وسمة الدخول ورسوم الفنادق والمطاعم لم يكلف أكثر من 550 دولاراً للشخص الواحد». من جانب آخر، خطط عمر ومجموعة من 5 شباب وشابات، خلال عطلة عيد الفطر المنصرم لإجازة خارج بيروت استمرت 6 أيام، أمضوها بين المسير Hiking أولاً ثم البحر وزيارة بعض المناطق والبلدات، وقضوا وقتاً ممتعاً. لكن بعد تقاسم حساب الرحلة تبين كم ان الكلفة كانت هائلة، بدءاً بإيجار سيارة من الفئة الصغيرة مقابل 48 دولاراً يومياً، وشاليه في منتجع بحري أقل من عادي مقابل 125 دولاراً لليوم، وصولاً الى المأكل والمشرب وبعض النفقات الاضافية، جعلت التكلفة الإجمالية للشخص الواحد تفوق 450 دولاراً. وبالكلفة نفسها مع بعض حسن التخطيط والاختيار يمكن قضاء وقت رائع خارج لبنان وفق نعيم وعمر، ولكن بما أن مجموعة أصدقاء عمر تضم أفراداً سوريين يحرمهم جوازهم من الوصول إلى تركيا أو اليونان ولو بغرض السياحة الموقتة، تنحصر خيارات المجموعة داخل لبنان. وتأتي هنا النشاطات البيئية البعيدة من التلوث نسبياً، والتي قد لا توفر كثيراً من الاسترخاء على شاطئ البحر، لكنها توفر متعاً غير مألوفة ولا تكلف روادها أرقاماً مرتفعة. المسير في الطبيعة نشاط مجاني، يمكن القيام به عبر «درب الجبل اللبناني» الذي يشمل درباً مخصصاً لهذه الهواية يمتد على أكثر من 400 كيلومتر من شمال لبنان إلى جنوبه، مقسماً على أجزاء يمكن المرء اختيار الجزء المناسب له من حيث البعد والطول وطبيعة التضاريس، وهذا الدرب مجهز بخرائط ورقية وإلكترونية، وإشارات دلالية، إضافة إلى ذلك هناك الكثير من الأدلاء في القرى الواقعة على خط الدرب الذين يمكنهم مساعدة الهواة ومرافقتهم. وما يجعل الأمر ممتعاً أن بيوتاً عائلية كثير منها تراثي في قرى الدرب، تقدم خدمة استضافة لممارسي هذه الهواية من إقامة ومنامة لقاء كلفة تعتبر معقولة جداً هي في المتوسط 25 دولاراً لليلة الواحدة في غرفة مزدوجة أو جماعية. كما يمكن التلذذ بوجبات طعام منزلية من أطايب البيئة اللبنانية التقليدية، كل هذا يشكل تجربة فريدة: رياضة وترفيه بكلفة معقولة، ودعم لقرى وعائلات في مناطق غير سياحية وفق المعايير التقليدية. لممارسة هذه الهواية شروط، منها بعض اللياقة البدنية، والتجهز الجيد لمواجهة متطلبات السير في الطبيعة، واحترام البيئة والالتزام بشروط السلامة، ولكن هذه الهواية لا تبدو مناسبة للجميع، فكثيرون يفضلون إجازة لا يبذلون فيها نشاطاً جسدياً قد يعتبر مرهقاً من جانبهم، ولكن عمر يخالفهم الرأي في ذلك «فالسير وسط الطبيعة لساعات، وإن كان مرهقاً بعض الشيء إلا أنه يجدد جسم الإنسان وينشطه، كما يريح التفكير والنفس، بخاصة مع الإطلالات والمناظر الرائعة على طول الدرب، أما شعور الإنجاز بعد الإنتهاء من المسير فهو لا يوصف». في موسم صيفي يبدو شديد الحرارة، ومع ارتفاع الأسعار ومعها مستويات التلوث، تضيق خيارات الترفيه والاصطياف على اللبنانيين، فإما الاستعداد لبذل كثير من المال، أو الاستغناء عن هذه الرفاهية المكلفة، لتبقى الخيارات البديلة محصورة بمن هو مستعد لتجربة شيء جديد وخوض غمار نمط غير تقليدي، فالجبل بدل البحر، والسير والتخييم بدل السباحة والاسترخاء، والبيئة النظيفة نوعاً ما بدل البحر الملوث، وطبعاً الكلفة المعقولة بدل «قضاء بقية الشهر بتناول الفول والفلافل».