لا يزال المواطنون في جدة يعانون مما أسماه بعضهم: «سقوط البنايات التاريخية» وآخرون: «الوقوف على ساق واحدة»... لم يعد أحد يدري إلى أي حد يمكن للكارثة أن تمتد بأذرعتها الطويلة. حتى البنايات التاريخية أصبحت على وشك السقوط إذ إن التاريخ نفسه فيما يبدو أنه لا يستطيع الصمود أمام فاجعة كهذه. وكأنه يحتج على أن الحاضر المدني المتطور سيسقطه، بعد أن لم تستطع عواصف الماضي وسيوله إسقاطه. في لحظة احتجاج الأمس على اليوم. بدأ الطوب والطين والبلاط في البنايات الأثرية يعبر عن عجزه على الثبات الذي ظل عليه طيلة العقود السالفة، وتوالت الأضرار حتى طاولت ما يقارب ال50 مبنى. عاد المتطوعون بعد عمل يوم آخر في محاولة رائعة من الصمود والثبات لتحسين الوضع. وانتشرت على أفواه الناس أخبار ارتفاع الوفيات والمركبات التي تلفت والإشارات المرورية التي لم تعد تضيء ألوانها الخضراء والحمراء وتسببت في توقف السير. والمؤكد أن الطلاب لم يعبروا عن سعادتهم بالإجازة الطارئة التي خصتهم بها الفاجعة. تقول المواطنة فاطمة الزهراني واصفة معاناتها: «لا أزال هنا في المروة لا أستطيع تصديق ما يجري، المياه على طرف الدرج، ونحن لا نستطيع الخروج، وسيارتنا شبه غارقة وحتى الآن لا نعرف مدى التلفيات التي حدثت فيها. كما أننا نعيش في اضطراب في نظام الأسرة وجدولها، لأن الامتحانات تأجلت، وأنا كنت أحلم بأن تنتهي الامتحانات ونتنفس أنا وأبنائي في الإجازة الصعداء. والآن طالت المدة. وأيامنا برزخ إجازة مع وقف التنفيذ «لا روحة ولا جية». ونحن هنا شبه واقفين على ساق واحدة. ننتظر الفرج من الله، وندعو الله أن تمر هذه الأزمة بسلام». عبدالكريم إبراهيم ما زال «مفجوعاً»، يريد أن ينام ويصحو وقد انقشع المشهد تماماً، فلا هو قادر على التأقلم مع الدمار داخل بيته وخارجه، ولا هو قادر أيضاً على معالجة الوضع، يقول: «لن يشعر أحد بالكارثة وما تركته في اثرها، كما يشعر بها المتضررون منها، ومهما تحدثت فلن أبلغ المعنى الدقيق لما أحس به». وليس ببعيد عنه فهد الشدوخي الذي مر بأيام عصيبة يتتبع فيها أخبار خمسة من أبنائه (بنتان وثلاثة أولاد)، خرجوا في صبيحة يوم هادئ، وحين بدأ المطر في الهطول، ظن أن الموت سيبتلع نصفهم على الأقل «خفت على البنات لأنهن ضعيفات، ولا حيلة في أيديهن يقاومن بها هذا السيل الهادر، لكن الخالق حماهن، أما الأولاد فكانوا مشغولين عن ضجري وحزني واشتغال بالي، بمساعدة آخرين حبسهم السيل في طريقه، وبقدر ما حزنت ساعات لغيابهم وانقطاع أخبارهم، فرحت حين علمت بأنهم كانوا يساعدون الناس».