منذ الساعات الأخيرة من يوم 30 حزيران (يونيو) الماضي المنصرم، لم تصمت الآلات الموسيقية في مدينة مونترو، في غرب سويسرا، إشارة إلى بداية الدورة ال51 من مهرجان المدينة السنوي لموسيقى الجاز، الأشهر في أوروبا قاطبة. المهرجان يقام في تموز (يوليو) من كل عام للاحتفاء بالجاز والبلوز والروك والراب والإلكترو والسول، التي يقدمها أشهر موسيقيي العالم. انطلق مهرجان مونترو لموسيقى الجاز عام 1967 على يد كلود نوبز وجيو فومار ورينيه لانجي، الذين ساهموا في شهرة ثاني أكبر مهرجان عالمي لموسيقى الجاز بعد مهرجان الجاز في مونتريال الكندية، ليس بانضمام أشهر نجوم العالم إلى عروضه فحسب، ولكن بفضل أحدث الأجهزة الصوتية المستخدمة التي جعلت من حضور إحدى حفلاته تجربة فريدة وممتعة يسعى هواة سماع الموسيقى لخوض غمارها مرة واحدة على الأقل في حياتهم. بعد رحيل مؤسسه الأهم نوبز قبل خمس سنوات في حادث تزلج، أصبحت للمهرجان مؤسسة تتولى إدارته وتحافظ على استمراره ونجاحه ورأسماله الذي يبلغ ملايين الدولارات. كان نوبز عاشقاً للموسيقى، واستطاع أن ينتقل بالمهرجان من احتفالية لا تتجاوز ثلاث ليالٍ في كازينو مونترو إلى مهرجان عالمي يستمر على مدار 16 ليلة في أماكن عدة تتنوع بين الساحة الكبيرة وقاعات الفنادق الصغيرة، لإمتاع نحو ربع مليون زائر يأتون فرادى أو جماعات من بين أثرياء العالم أو الطلاب الدارسين في جامعات أوروبا، ممن يتوافدون على مونترو، لؤلؤة جبال الألب، أو الريفيرا السويسرية كما يطلقون عليها. وقد توزعت الحفلات الرئيسية هذا العام على ثلاث قاعات كبرى، فضلاً عن عدد من القاعات الأخرى المخصصة للعروض المجانية، ومسابقات العزف المنفرد، وورش العمل وغيرها من النشاطات التي يستمر بعضها حتى الفجر في نواد ومقاه وفنادق، أُعلن عنها في بداية آذار (مارس) الماضي، لمنح الزوار فرصة ترتيب عطلاتهم وزياراتهم القصيرة أو الطويلة. ومن بين المشاركين من العالم العربي لهذا العام، العازف اللبناني الفرنسي إبراهيم معلوف (اليوم)، بينما قدم الأخوان التونسيان أمين وحمزة المرايحي وفرقتهما «وراء الحدود» حفلة في أحد الفنادق (9 تموز). ويشارك من أفريقيا المطرب السنغالي يوسو ندور، سوبر ستار أفريقيا، بعد غد السبت في ختام أيام المهرجان، بعد أسابيع من مشاركته في مهرجان «موازين» المغربي وصدور أحدث ألبوماته بعد فترة انشغل فيها بالحفلات الحية لاستعادة حضوره عقب غياب لمحاولته الترشح لرئاسة الجمهورية في بلاده والتي جاء بعدها اختياره وزيراً للثقافة والسياحة لفترة لم تستمر طويلاً طبقاً لرغبة ندور نفسه. والفنان الذي وصفته قبل سنوات مجلة «رولينغ ستون» المعنية بالموسيقى ونجومها، ب «المغني الأكثر شهرة على قيد الحياة في السنغال وأفريقيا الفرنكفونية»، هو صاحب بصمة ودور في تطوير الموسيقى الشعبية السنغالية. واستطاع الوصول إلى العالمية بغزوه أوروبا بصوته الشجي وإيقاع موسيقى أعماله الغنائية المسجلة انطلاقاً من فرنسا التي لا يخلو بيت فيها من أسطوانة تحمل اسمه. وهو شارك نجوم العالم أعمالاً ذائعة الصيت، ومن بينهم: بيتر غابرييل، وبول سايمون، ونيني شيري، سواء بلغته المحلية أو الفرنسية أو العربية التي قدم بها عدداً من أغنياته في ألبوم «مصر» الذي أصدره بالتعاون مع الموسيقي المصري فتحي سلامة (2004). من جهة أخرى، وإلى جانب ارتباط مونترو بمهرجان موسيقى الجاز، فإن زائرها لا يمكنه الذهاب إليها من دون اغتنام الفرصة لزيارة أشهر مصانع الشوكولاتة والمياه المعدنية وتناول الجبن السويسري الشهير في منطقة «غويير» القريبة. وتقع مونترو، التي لا يتجاوز عدد سكانها 26 ألف نسمة، على الساحل الشمالي الشرقي لبحيرة جنيف (ليمان)، وتعد مقصداً لأغنياء العالم من ممارسي النشاطات المائية صيفاً، وعشاق التزلج شتاءً. ومع اختتام مهرجان موسيقى الجاز، ستنشغل المدينة بموسمها الصيفي الحافل الذي يؤمه سيّاح من مختلف أنحاء العالم وخصوصاً من الجزيرة العربية، وذلك قبل قدوم الشتاء السويسري القارس الذي تقاومه المدينة في كانون الأول (ديسمبر) بمهرجان الكوميديا الذي يجتمع فيه أهم الفنانين الكوميديين من الدول الناطقة بالفرنسية والألمانية والإنكليزية. وتتحدث سويسرا رسمياً بثلاث لغات هي الألمانية والفرنسية والإيطالية فضلاً عن الرومانش المحلية التي تتحدث بها نسبة ضئيلة من سكان الجبال.