زادت مخاوف الخرطوم من مطالب ولايات شمالية بحكم ذاتي يمكن أن يتحول إلى تقرير مصير مماثل لما جرى في جنوب البلاد، وتراجع حزب المؤتمر الوطني الحاكم عن موقفه عزل الوزراء الجنوبيين بعيد إعلان نتيجة الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب التي ترجح استقلال الإقليم بطلب غالبية كبيرة. وطالبت القيادية في حزب المؤتمر الوطني في ولاية جنوب كردفان عفاف تاور بتجاوز الأخطاء التي وقعت فيها المشورات الشعبية في ولاية النيل الأزرق بتحويلها الى مطالب بالحكم الذاتي، وحذرت من استخدام حكومة الجنوب 55 ألفاً من أبناء جبال النوبة في الجيش الجنوبي ضد الشمال. وقالت تاور، في تصريحات امس، إن 55 ألفاً من أبناء جبال النوبة في ولاية جنوب كردفان المتاخمة للجنوب في الجيش الجنوبي يمثلون مخزوناً استراتيجياً لحكومة الجنوب التي يمكن أن تستخدمهم وتستغلهم ضد الشمال في حال عدم وجود جيرة سلسة بين الشمال والدولة الوليدة. وحذرت من أن يصبحوا مرتزقة لا سيما أنهم سيُعتبرون أجانب في الجنوب عقب استقلاله. وشددت على ضرورة البحث في أوضاعهم وإعادتهم إلى الشمال، مؤكدة أن المشورة الشعبية واضحة لا تعني استفتاءً ولا تقرير مصير ولا حكماً ذاتياً، إنما استطلاع مواقف المواطنين في تلبية حقوقهم ومكاسبهم من السلام في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. ووصف مساعد المبعوث الأميركى إلى السلام في السودان السفير لايمون، المشورة الشعبية في النيل الأزرق ب»المهمة» لارتباطها بالسلام الدائم، معتبراً المشورة عملية شاقة لارتباطها بإشراك المواطنين في شؤونهم. وناقش المسؤول الأميركي مع أعضاء المفوضية البرلمانية للمشورة الشعبية وحاكم ولاية النيل الأزرق مالك عقار الأوضاع الراهنة في البلاد، ومستقبل العلاقات بين الولاية وجنوب السودان بعد إعلان نتيجة الاستفتاء. وارتفعت أعداد السكان الذين تم رصد آرائهم في النيل الأزرق، في مراحل المشورة الشعبية، إلى أكثر من 37 ألفاً عبر 116 مركزاً. ودعا زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدي حزب المؤتمر الوطني الحاكم، إلى القبول بحكومة انتقالية قومية لا تعزل أحداً ولا تلاحق أحداً، أو مجابهة المصير التونسي المتمثل في الإطاحة بالنظام. وكان تحدث أمام الآلاف من أنصاره في أم درمان، ثاني مدن العاصمة الثلاث لمناسبة الذكرى 126 لتحرير الخرطوم على يد جده الإمام المهدي مفجر الثورة المهدية في السودان. وحض المهدي، حزب المؤتمر الوطني، على تجنب حدوث صدامات دموية في ظل الظروف التاريخية التي تمر بها البلاد. ورأى، أنه «ليس أمام الشعب السوداني للوصول إلى الاستقرار، سوى طريقين: إما القومي أي عبر حل سلمى، وإما الطريق التونسي» في إشارة إلى ثورة على غرار الثورة الشعبية في تونس، مؤكداً أن لا حل في السودان إلا بحكومة انتقالية لا تعزل أو تلاحق أحداً. وأضاف «إذا استجابت الحكومة السودانية للمطالب الشعبية فهذا أسلم وإذا رفضتها فلن يبقى أمامها سوى النزال، والحكومة إذا رفضت الاستجابة للمواقف الشعبية ستجد نفسها في أحرج المواقف، والمعارضة ستستمر في تعبئة الشعب للحصول على مطالبها عبر الجهاد المدني والتفاوض الجاد». وكان المهدي حدد قبل أكثر من شهر، يوم 26 كانون الثاني (يناير) فرصة أخيرة لحزب المؤتمر للقبول بالأجندة الوطنية أو الانضمام إلى قوى المعارضة الداعية لإسقاط الحكومة، إلا أن الحزب الحاكم استبق الموعد المضروب بحوار حول أجندة المهدي قبل يومين. وقال وزير الخارجية السوداني أحمد كرتي إن حكومته أوفت التزامها في عملية السلام والاستفتاء على تقرير مصير الجنوب وتنتظر وعد الإدارة الأميركية برفع العقوبات المفروضة على بلاده وشطب اسمها من لائحة الدول الراعية للإرهاب وفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين. وأضاف كرتي، بعد محادثات مع نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون في واشنطن «السودانيون أوفوا بالتزام رئيسي فيما يتعلق بتوقعات العالم، أوفينا بالتزامنا وبالتالي فإن التزامنا السلام يجب ألا يكون موضع تساؤل». وزاد «حان الوقت لكي تعيد الولاياتالمتحدة العلاقات إلى مسارها»، مشيراً إلى أن الولاياتالمتحدة والسودان سيستفيدان من تحسين العلاقات، وأشار إلى التعاون في مكافحة الإرهاب كإحدى ثمار ذلك. وجددت هيلاري كلينتون استعداد الولاياتالمتحدة للمضي قدماً نحو تحسين العلاقات في شكل كامل، لكنها أوردت خطوات عدة يجب اتخاذها حتى يمكن تحقيق ذلك. من جهة أخرى ذكر تقرير للأمم المتحدة عقب مواجهات بين القوات الحكومية والمتمردين في دارفور، أن 26 حادثاً سجلت في الأشهر الثلاثة الماضية في دارفور، جرى فيها منع القوة الأممية الأفريقية المشتركة في دارفور (يوناميد) من تنفيذ تفويضها لحماية السكان المدنيين. وذكر التقرير، الذي ناقشه مجلس الأمن، إلى أن الخرطوم تتحمل مسؤولية 23 حادثاً، بينما تسبب المتمردون وأفعال المدنيين في عرقلة عمل الأممالمتحدة في الحالات الثلاث الأخرى. وكان موفد الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي إلى دارفور إبراهيم غمباري قال أمام مجلس الأمن عبر دائرة تلفزيونية مغلقة «نحن قلقون جداً من أعمال العنف الجديدة هذه». وأفاد انه أبلغ قادة الشرطة والجيش في «يوناميد» أخيراً أن القوة «ستتبنى وقفة أكثر قوة ولن تعطي بعد الآن الانطباع بأنها تسعى للحصول على إذن للتحرك». لكنه اعترف بأن هذا الأسلوب لم يكن ناجحاً بالكامل في ضمان وصول بعثته وموظفي الإغاثة الإنسانية في دارفور إلى ملايين النازحين في مخيمات في أنحاء غرب السودان. على صعيد آخر قالت أسرة الأمين العام لحزب لمؤتمر الشعبي المعارض حسن الترابي، المعتقل منذ أسبوع، انه يتعرض إلى أسوأ معاملة منذ تعرضه لأول اعتقال في عهد الرئيس السابق جعفر نميري في عام 1969. وأفادت أسرة الترابي أمس، بأن الرجل يتعرض حالياً لأسوأ أنواع المعاملة من قبل السلطات، وأعربت عن قلقها إزاء ظروف اعتقاله. وأكدت الأسرة، أن الترابي يقبع حالياً في غرفة وصفتها ب»الضيقة وغير اللائقة».