أعلنت ألمانيا الحرب على التعليقات والمقالات المحرضة على الكراهية والأخبار الكاذبة على الإنترنت، وأقر البرلمان مشروع قانون تقدمت به الحكومة يلزم إدارات وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية التصدي لجرائم التحريض على الكراهية عبر هذه المنصات الافتراضية ومكافحتها. وتنص بنود القانون الذي اقترحه وزير العدل هايكو ماس على منح الشركات القائمة على تشغيل المنصات الإلكترونية مهلة 24 ساعة لحذف المشاركات ذات المضمون الذي يجرمه القانون، مثل التحريض العنصري والتهديد والتمييز الديني والعرقي، وفي حال مخالفتها ستدفع غرامة تصل الى 50 مليون يورو. أثار القانون احتجاجات الشركات الرقمية ومنظمات الدفاع عن حرية الرأي في ألمانيا، واعتبر اتحاد «بيتكوم الرقمي» للشركات الألمانية العاملة في قطاع الإنترنت والاتصالات «أن تهديد الناشرين بدفع غرامات مالية عالية، وفرض مهلة قصيرة جداً لاتخاذ رد الفعل المناسب يدفعان القائمين على الشبكات الإلكترونية الى حذف مواد لا تقع أصلاً تحت طائلة القانون». ورأى ممثلو الشركات الموقعة على المذكرة «أن الشك يمكن أن يدفعها الى حذف كتابات خاصة بمدافعين عن الحقوق المدنية أو وسائل إعلام عريقة خاصة في حالات يصعب فيها إثبات مدى قانونية النشر أو لا يمكن تحديد ذلك بالسرعة اللازمة أو التي لا يمكن التيقن من وضعها القانوني»، منبهين الى أن ذلك قد «تكون له عواقب كارثية على حرية الرأي». وعبر تحالف عريض لاتحادات ألمانية وشخصيات وجمعيات معنية بالدفاع عن حرية الرأي عن قلقه على حرية الرأي في البلاد، نتيجة هذا القانون. إلا أن ماس قال إن «مشكلتنا هي انه لا يتم حذف شيء»، مبيناً» أن شبكات التواصل الاجتماعي هي الملزمة بهذا الحذف إذا تبين حصول إساءة استخدام لمنصاتها بهدف نشر جريمة الكراهية»، وأضاف أن «حرية التعبير تنتهي عند بدء القانون الجزائي». بريطانيا: مجموعات ضد الكراهية كانت الحكومة البريطانية هي الأخرى وضعت خطة عمل لمواجهة الإسلاموفوبيا، ورصدت أكثر من مليون جنيه استرليني لتعزيز خدمة متخصصة في رصد حوادث الكراهية ضد المسلمين وتسجيلها ودعم الضحايا. وذكر تقرير صادر عن مركز الإعلام والتواصل الاقليمي التابع للحكومة أن «وزارة الداخلية البريطانية أطلقت عام 2016 خطة عمل تتعلق بمكافحة جرائم الكراهية ومنها جرائم الكراهية ضد المسلمين وكيفية مساعدة الضحايا». وتشير بيانات رسمية الى حدوث 3179 حادث كراهية للمسلمين في العام 2014، ورصدت السلطات 2622 حادثة في العام 2015. وقال المجلس الإسلامي في بريطانيا انه جرى الإبلاغ عن أكثر من 100 جريمة كراهية خلال الأسبوع الذي أعقب الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وصرّح الناطق الحكومي للشرق الأوسط وشمال افريقيا أدوين صموئيل بأن «التعبير عن القلق إزاء الإسلاموفوبيا غير كاف، لذلك اتخذت الحكومة البريطانية إجراءات عملية واضحة وصارمة بمواجهة عدم التسامح الديني». وكانت الحكومة أطلقت مجموعات عمل مناهضة لجرائم الكراهية ضد المسلمين عام 2012، ورصدت مبلغ 2,4 مليون جنيه استرليني لدعم أفراد الأمن في أماكن العبادة، ومنها مساجد تعرضت لجرائم كراهية. وذكرت صحيفة «ديلي تلغراف» أن «الحكومة تدرس مشروع قانون جديد يشدد على منع شركتي غوغل وفايسبوك وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي من نشر فيديوات متطرفة، ويقضي بسحبها الفوري وليس خلال 24 ساعة لأن هذه الفترة ستوفر إمكان مشاهدتها للآلاف». وأصدر الاتحاد الأوروبي قانوناً جديداً يساعد على بقاء شبكة الإنترنت مكاناً آمناً وحراً وديموقراطياً للتعبير تحترم فيه القيم الأوروبية. نقطة تقاطع بين توترات يتابع العالم بقلق بالغ انتشار لغة الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، وأعرب مكتب حقوق الإنسان عن قلقه إزاء ما سماه الانتشار السريع لخطاب الكراهية العنصرية عبر الحدود، من طريق شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي. وقالت نائب المفوضة السامية لحقوق الإنسان إن المشكلة تتفاقم بسبب عدم وجود تعريف مقبول عالمياً لما يشكل خطاب الكراهية. يتموضع خطاب الكراهية في نقطة التقاطع بين توترات عدة، فهو تعبير عن نزاع بين مجموعات داخل المجتمعات وعبرها، كما انه مثال حي عن كيف يمكن لتكنولوجيا ذات قدرات عالية مثل الإنترنت ان تحمل في طياتها فرصاً وتحديات في آن واحد، وتفترض تحقيق توازن معقد بين الحقوق والمبادئ الأساسية بما فيها حرية التعبير والتصدي للكراهية الإنسانية. وصفت دراسة صادرة عن «اليونسكو» بعنوان «مكافحة خطاب الكراهية في الإنترنت» أعدها خمسة باحثين، خطاب الكراهية بأنه «مصطلح شاسع ومثير للجدل لا يزال يستعمل في شكل واسع في الخطاب اليومي كمصطلح عام وشامل، يخلط بين التهديدات الملموسة لأمن الأفراد والجماعات والحالات التي يعبر فيها الناس عن غضبهم من السلطة فقط، أما وسطاء الإنترنت، أي المنظمات التي تلعب دور الوسيط في التواصل على الإنترنت كفايسبوك وتويتر وغوغل، فقدمت تعريفاتها الخاصة لعبارة الخطاب المفعم بالكراهية، وتلزم مستخدميها بمجموعة من القواعد وتسمح للشركات بأن تحد من بعض أشكال التعبير. وأفادت دراسة صادرة عن «مركز هي للسياسات العامة» في الأردن بعنوان «التصدي لخطاب الكراهية عبر الإنترنت» بأن «خطاب الكراهية في شكل عام هو بث الكراهية والتحريض على النزاعات والصراعات الطائفية ونشر الفتنة والتحريض على إنكار وجود الآخر وضد طائفة دينية أو عرقية والحض على العنف». تباين التعريفات واستطلاعات سعت هيئات وطنية واقليمية ودولية الى تعزيز فهم المصطلحات المتجذرة أكثر من التقاليد المحلية، إلا أن الوصول الى تعريف مشترك يظل وفق الخبراء بعيداً وصعباً. وتشير دراسة أجريت في خمس دول عربية معظمها كما يشير تقرير مركز «هي» كانت لديها مشكلة في إطار «الربيع العربي»، إلى ان مصطلحات خطاب الكراهية تكررت 491 مرة في العراق أي 16 في المئة وفي اليمن 1228 مرة أي 40 في المئة وفي البحرين 492 أي 16 في المئة، ووصلت النسبة في مصر الى 44 في المئة وتونس إلى 15 في المئة، وكان المجموع العام 3386 مصطلحاً يتم تداولها في الدول العربية الخمس. وأوصت الدراسة بتطوير «خطاب بديل ممنهج يحدد ماذا نريد ان نقدم للشباب، فالخطاب البديل يقوم على عبارات مقبولة على نطاق واسع». وأكدت ان «خطاب الكراهية يرتبط بالتطرف العنيف، فالغلو يبدأ في التفكير الذي يخرج عن طوره الطبيعي فينحرف، والتطرف يبدأ سلوكياً مع الآخر، وباستمرار تغذيته يتحول الى إرهاب واستحلال لدم الآخر». تضع سرعة الإنترنت ومدى انتشارها الحكومات أمام تحدي تفعيل تشريعاتها الوطنية في العالم الافتراضي، إذ إن المسائل المرتبطة بخطاب الكراهية على الإنترنت كشفت انبعاث فضاءات خاصة للتعبير ذات خدمة عامة مثل «فايسبوك» و»تويتر» وغيرهما. وبدأت الشركات المالكة لوسائل التواصل التجاوب بشكل أكبر مع المطالب الحكومية الخاصة بمواجهة خطاب الكراهية على الإنترنت. واتخذت إدارات هذه الوسائل إجراءات صارمة ضد خطاب الكراهية، ووافقت «فايسبوك» و «غوغل» و «مايكروسوفت» و «تويتر» على إخفاء الأحاديث التي تحض على الكراهية، والتي تعتبر غير قانونية لمستخدمي منصاتها في الاتحاد الأوروبي في غضون 24 ساعة من تلقيها إخطاراً رسمياً عنها. كما وافقت على إنشاء عملية واضحة المعالم لكيفية استقبالها ومراجعتها التنبيهات المرسلة اليها في ما يخص لغة الكراهية. وتعد هذه الوسائل من أهم الأدوات التي تستخدمها الجماعات الإرهابية لتجنيد الشباب والتغرير بهم واستخدامهم لنشر العنف والكراهية والتطرف.