أعاد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في ذكرى استقلال بلاده أمس، إثارة مطالبة الحكومة الفرنسية باسم الشعب الجزائري الذي يطالب «مستعمر الأمس بالاعتراف بما اقترفه في حقه من شر ونكال»، بعد أن اختفى هذا المطلب من الخطاب الرسمي في الجزائر لسنوات، قبل أن يعيده بوتفليقة تماشياً مع إشارات من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون التي أدان فيها استعمار بلاده الجزائر. وأعادت الجزائر إلى خطابها الرسمي ملف الذاكرة الذي يوتر علاقاتها بباريس منذ عقدين، مع تولي بوتفليقة رئاسة البلاد. ولفت الرئيس الجزائري في رسالة وجهها إلى مواطنيه بمناسبة احياء ذكرى «استرجاع الاستقلال» الذي يصادف في 5 تموز (يوليو)، أن «الشراكة الاستثنائية بين الجزائروفرنسا يجب أن تكون نافعة لكلا الطرفين. الاعتراف بحقائق التاريخ لن يزد فرنسا إلا صفاءً وتوثباً». وتشجع رسالة بوتفليقة الرئيس الفرنسي الجديد على اتخاذ اجراءات «جريئة» في مسألة الذاكرة. وتحدث بوتفليقة إلى ماكرون هاتفياً مرتين في شهر حزيران (يونيو) الماضي وفق قصر الإليزيه، وناقشا وضع الساحل الإفريقي، لكن مراجع جزائرية أفادت بأن موضوع الذاكرة كان حاضراً في المحادثتين. وذكر بوتفليقة أن «الشراكة الاستثنائية» التي باشرتها الجزائر المستقلة مع فرنسا يجب أن تكون «نافعة لكلا الطرفين». ودعمت الجزائر ماكرون بشدة قبل فوزه في الانتخابات الأخيرة حين زار بالجزائر مرشحاً محتملاً، حيث أطلق تصريحات غير مسبوقة في مجال الذاكرة المشتركة حين تحدث عن ضرورة اعتذار بلاده للجزائر عن الفترة الاستعمارية، وهو أقصى ما يتمناه بوتفليقة. وأوضح الرئيس بوتفليقة أنه «ليس في هذا التذكير بالماضي أي دعوة إلى البغضاء والكراهية»، مضيفاً أن «حفظ الذاكرة الوطنية هذا يعني أجيالنا الصاعدة هي الأخرى لأنه سيتيح لها على الدوام شحذ حسها الوطني وهي تواجه التحديات والصعاب ويكون مبعثاً لاعتزازها الدائم بوطنها». ودرج بوتفليقة في السنوات الأخيرة على تبني نزعة «براغماتية» في علاقات بلاده مع باريس، على نقيض سنوات حكمه الأولى التي كان يطالب فيها وبشكل مستمر باعتراف فرنسي واعتذار عن الحقبة الاستعمارية. وكان ما يُسمى ب «قضايا الذاكرة» حتى وقت قريب، عائقاً أمام إقامة علاقات طبيعية بين البلدين، لكن فترة وصول الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند إلى الحكم في فرنسا، شهدت ابرام اتفاقات لطي هذا الملف والتوجه نحو بناء شراكة اقتصادية وعدم الالتفات إلى الماضي. ودافع بوتفليقة عن سنوات حكمه ال18 في الرسالة التي أشار فيها على غير العادة إلى بدايات توليه الحكم. وزاد: «تواجه بلادنا في المجال الاقتصادي تراجعاً كبيراً في مداخيلها الخارجية واختلالاً في ميزان مدفوعاتها الخارجية مع أنها تحتفظ بسيادتها غير منقوصة في قرارها الاقتصادي والاجتماعي بفضل ما جمعته من احتياطات الصرف التي بدأت تتناقص». وأضاف: «أجدد ندائي إلى شعبنا الأبي وأدعوه إلى بذل المزيد من الجهود والاضطلاع بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية بكل سيادة».