ثمة جرأة لا يُستهان بها في استدعاء مؤلَّفات موسيقية أنتجتها فضاءات اجتماعية اقتصادية وثقافية كانت سائدة في زمنها، خصوصاً إذا كانت تعتمد في سماعها على تقنيات موسيقية خاصة. هذا ما ينطبق على جماليات الموسيقى التي فاض بها أداء زينة عصفور والفرنسي بيار مورابيا، في الحفلة التي أقيمت ليل الأحد- الإثنين، في دارة الفنون بعمّان. وقدم العازفان مقطوعات على آلة البيانو لموسيقيين فرنسيين مثل ديبوسي وشابرييه ورافيل، إضافة إلى قطعة من تأليف المؤلّف الأردني طارق يونس عزفتها زينة منفردة وأهدتها إلى فلسطين. بدأ مورابيا العزف منفرداً، مقدماً مقطوعة لشابريه فاضت دفئاً وعاطفة، واتسمت ضرباته الإيقاعية فيها بالهارمونية. ثم قدم مقطوعة لكلود ديبوسي، الذي يعدّ من أشهر مؤلفي الموسيقى في فرنسا، وعُرف بموسيقاه الزاخرة بالعواطف الوطنية خلال الحرب العالمية الأولى، فجاء عزفه مليئاً بالإحساس والمحسوس، معبراً عن روح المقطوعة ببراعة. واختتم مورابيا عزفه المنفرد بالقطعة الموسيقية المعروفة ب «بوليرو رافيل» لموريس رافيل، والتي جاءت بسيطة في لحنها إذ تقوم على تكرار الجملة الموسيقية نفسها، والتغيير في نهاية القطعة التي أبدت تعاطفاً مع ضحايا الحرب العالمية الأولى. وفي القسم الثاني من الحفلة التي استُخدمت فيها شاشة ضوئية قرب منصة العزف، تناغم أداء الثنائي خلال عزف مقطوعات رافيل (أمي الوزة، والجميلة النائمة، وعقلة الإصبع، والجميلة والوحش، والحدائق المسحورة). وتغيرت أجواء الفضاءات لكلّ من هذه المقطوعات وفق ما يتطلبه بناؤها وما تنطوي عليه من معانٍ راسخة في الأدب العالمي. واستهلت زينة القسم الثالث بعزفها المنفرد لمقطوعة من ثلاث مقطوعات ألّفها طارق يونس وعبّرت عن تعاقب الفصول، وقد تجسّد ذلك على الشاشة الضوئية من خلال تبدّل حال أوراق الشجر تبعاً لمناخ كل فصل، ولكنْ في حضور شجنٍ باحت به الألحان. ثم شكّل العازفان ثنائياً من جديد، وقدما مقطوعات منها واحدة لرافيل ألّفها عندما كان في العشرين من عمره، واختتما الحفلة بعزفهما مقطوعات لشابريه كشفت عن تأثره بالفضاءات الفنية الانطباعية التي تُظهرها لوحات الفنان العالمي مانيه. وعن سبب اختيار مؤلفات ديبوسي وشابرييه ورافيل لتقديمها في الحفلة، قالت زينة عصفور ل «الحياة» إن هؤلاء الثلاثة يعدّون من أكثر المؤلفين تناولاً من جانب العازفين على مستوى العالم، بخاصة موسيقى «بوليرو»، التي «تفيد الموسيقيين الشباب في تطوير أعمالهم». وأوضحت أن موسيقى رافيل تأثرت بالمدرستين الرومانسية والانطباعية في الفن، إذ استفاد من رسوم إدوار مانيه التي ظهرت ثيماتها في موسيقاه. وأضافت: «هذا ما نفعله الآن أيضاً، إذ تتأثر موسيقانا بالأجناس الفنية والأدبية، بخاصة الشعر». وتحدثت عن تعاونها مع موسيقيين أذربيجانيين وأتراك، لهم اهتمامات بالموسيقى العربية الشرقية، وبدمج آلتَي القانون والعود مع الآلات العصرية لتطوير الموسيقى العربية، وذلك في إطار مشروع يحمل اسم «عتيق». أما مورابيا فقد أعرب عن سعادته لمشاركته في حفلة أقيمت في موقع عريق تتوسطه الآثار، وتتسم تضاريسه بجماليات التكوين، حيث توزّع معظم الجمهور في حلقات حول منصة العزف واقتعدوا الحجارة في ساحة الكنيسة البيزنطية.