يشبه ملف تحقيقات النيابة العامة المصرية في قضية «تجارة الأعضاء البشرية» الذي صدر أمس، وأمر بإحالة 41 متهماً على محكمة الجنايات، إلى حد كبير سيناريوات الأفلام السينمائية، لكن الواقع بدا أبشع من الخيال السينمائي لعظماء المخرجين. القصة باختصار أن أطباء في مستشفيات حكومية وجامعية كُبرى وبالاشتراك مع شبكة من «ملائكة الرحمة» من الممرضين والممرضات، يتربصون بالمرضى الفقراء القاصدين أقسام العلاج المجاني، لشراء «الكلى» بمبالغ راوحت بين 600 و800 دولار للواحدة وبيعها لمرضى غالبيتهم من دول عربية بمبالغ تقارب 120 ألف دولار. وتتم تلك العمليات الحساسة من دون معايير طبية مطلوبة، ما يتسبب في حالات وفاة «البائع أو المشتري» وفي الغالب يصاب الطرفان بأضرار وتداعيات سلبية. تحقيقات النيابة كشفت تورط 20 طبيباً من تخصصات مختلفة، بينهم أساتذة في كليات الطب في جامعات الأزهر والقاهرة وعين شمس وبني سويف و10 ممرضين و9 سماسرة ووسطاء وحتى بعضهم يحمل صفة ديبلوماسية، في إجراء 29 جراحة لنقل وزراعة الكلى من مصريين إلى أجانب أو من جنسيات عربية. وحصل الجناة والوسطاء على ملايين الجنيهات. وضمت أدلة الاتهامات التي قدمتها هيئة الرقابة الإدارية، التي تتبعت تلك الشبكة وكشفتها، تسجيلات صوتية ومصورة لاتفاقات بين أطراف تلك الجرائم. ولا يحظر القانون المصري زرع الأعضاء البشرية لكنه يضع قيوداً مشددة على تلك الجراحات، من بينها حظر نقل الأعضاء من مصريين إلى أجانب، إلا إذا كان الناقل والمتلقي زوجين منذ أكثر من 3 سنوات. ويشترط أن يكون نقل الأعضاء لضرورة يقتضيها الحفاظ على حياة المتلقي، وأن يكون النقل في كل الأحوال تبرعاً وليس «مدفوع الأجر» أياً كانت طبيعته، وبعد موافقة اللجنة العليا لزراعة الأعضاء البشرية. وكان لافتاً أن جراحات نقل الكلى محل الاتهامات الجنائية، تمت في مستشفيات بدائية غير مؤهلة لإجراء تلك العمليات الطبية، حتى أن بعضها أُجري في غرف أسفل عقار في حي المقطم، ليست مُرخصة كمنشأة طبية أساساً، ما أسفر عن وفاة عدد من الزبائن ومصرية من البائعين، وإصابة آخرين بأمراض نتيجة عدم تدقيق تحليلات توافق الأنسجة بين الناقل والمتلقي. ولم تقف الجرائم عند هذا الحد بل تخطتها إلى التزوير في تقارير طبية حصل عليها المتلقون، تُفيد بأن عملية زراعة الكلى للمتلقي تمت من مريض متوفى دماغياً، لإسباغ المشروعية على الجراحة بما يتفق والمتطلبات القانونية المعمول بها، من أجل استرداد قيمة العملية الجراحية المجراة. وكشفت القضية، على رغم ما تُظهره تفاصيلها من تجاوزات فجة قانونياً وقاسية إنسانياً، «قمة جبل الجليد» المتواري أسفل «بحر الفساد والإفساد» في مجال نقل وزراعة الأعضاء البشرية. ومع أن ما جرى لا يمثل الصورة كاملة، إلا أن مستشفيات موثوقاً فيها ما زالت تُمسك بقواعد مهنة الطب وأصولها وتُخضع «المتبرع» لما يُشبه جلسة تحقيق مصورة يُقر فيها بعدم تلقيه أي مقابل نتيجة الإقدام على قراره. وفي دهاليز تلك التجارة لا يقف الأمر عند حد شراء الأعضاء البشرية، لكنه يتخطاه إلى خطف البشر وقتلهم بعد الحصول على عضو بشري، وفق روايات طالما تداولتها وسائل إعلام وصحف مصرية، حتى بات «الانتقام الشعبي» أول عقوبة لخاطفي الأطفال. وآخر هذه الوقائع توثيق أهالٍ سيدة في محافظة الشرقية وربطها إلى عمود إنارة في الشارع بعدما أوسعوها ضرباً لشكهم في اعتزامها خطف طفل، وضرب سيدة أخرى في الدقهلية للسبب ذاته حتى سالت دماؤها وكادت أن تُقتل.