في 1997، بعد أن حقّق حلماً قديماً، أطلق الذكاء الاصطناعي حلماً آخر. «في منتصف القرن 21، يفوز فريق من الروبوتات المؤتمتة كليّاً على حامل كأس العالم لكرة القدم، في مباراة تجرى وفق قواعد ال «فيفا» ونظمها». بهذه الكلمات ارتسم حلم مشروع «روبوكاب» Robocup عند انطلاقته في الهزيع الأخير من تسعينات القرن العشرين. وكذلك لعبت الآلات الروبوتيّة المؤتمتة مونديالها الأول في مدينة ناغويا اليابانية. ثم تتالت مسابقاتها. وتقاطع مونديالا البشر والروبوت في الأعوام 1998 (فرنسا) و2002 (أجريت مسابقة «روبوكاب» في «فوكوكا» اليابانية، بالتزامن مع مونديال اليابان- كوريا)، و2006 (ألمانيا). بعدها، تفارق البشر والآلات المؤتمتة في العام 2010، فلعب الإنسان في جنوب أفريقيا، فيما انعقدت فاعليات «روبوكاب» في سنغافورة. وبعدها، صارت الأنظار تتجه تقليدياً إلى مسابقات «روبوكوب» التي صارت تجري منافسات متزامنة مع المسابقات الكرويّة الكبرى. وكذلك تزامن آخرها مع «مسابقات كأس القارات- 2017» التي استضافتها مدينة «بطرسبرغ» الروسيّة العريقة، فيما لا يزال البطل الروسي كاسباروف ينشط في صفوف المعارضة السياسيّة لنظام الرئيس فلاديمير بوتين. والأرجح أن بال كاسباروف سها عن تزامن البطولة العاشرة لكأس القارات مع الذكرى الثلاثين لهزيمته ممثلاً للبشر على رقعة الشطرنج، أمام الذكاء الاصطناعي للكمبيوتر «ديب بلو»! وإذ تحتاج العلاقة بين لغة البشر والذكاء الاصطناعي نقاشات مستفيضة، خصوصاً مع التأمل في مجموعة «الانتصارات» التي حقّقتها الآلات على أدمغة الجنس البشري. ألا يعني ذلك أن مقولة «الروبوت هو أداة من صنع البشر» لا تصف سوى جزء بسيط من العلاقة المعقّدة بين مساري الذكاءين البشري والاصطناعي؟ أخطر من السلاح النووي يلفت أن مجموعة من العقول البشرية الذكيّة، خصوصاً تلك التي تتعامل بكثافة مع الروبوت والذكاء الاصطناعي، لم تكتف بأن يقتصر النقاش عن الروبوت على مسألة الأيدي العاملة والبطالة، على رغم الأهمية الفائقة لذلك الأمر. إذ أشار البروفسور بارت سلمان، وهو اختصاصي في المعلوماتية من «جامعة كورنيل»، إلى أن البشر يعملون على نقل قوى كالسمع والبصر إلى الروبوت، ما يزيد قدرته في الحلول بديلاً عن البشر، كما يرفع أضعافاً مضاعفة قدرات الروبوت على... التفكير. وبكلمات لم تخل من المخاوف، سأل سلمان عن اقتراب اللحظة التي يفقد فيها البشر القدرة على التحكّم بالروبوت الذي ربما وصل «تطوّره» إلى مرحلة التفكير الذاتي المستقل. وتقاطع سؤاله مع ما أثاره هوكينغ عن بطء التطوّر في ذكاء البشر، مقابل تسارعه باضطراد في الروبوت. ويذكر ذلك أيضاً بأن البليونير إيلون ماسك الذي يستثمر في مشاريع تقنية متقدمة كالسيّارات الكهربائيّة وصواريخ الفضاء القابلة لإعادة الاستعمال، أطلق قبل بضع سنوات مبادرة لإبقاء الذكاء الاصطناعي تحت سيطرة البشر، مشيراً إلى أن ذلك الذكاء ربما كان بخطورة السلاح النووي. وفي 2015، تشارك ماسك وهوكينغ مع ستيف فوزينياك (وهو أحد مؤسّسي شركة «آبل» الشهيرة)، في التوقيع على رسالة موجّهة إلى البنتاغون تحذّر من الذهاب بعيداً في صنع أسلحة تتمتع بذكاء اصطناعي مستقل. المفارقة أن ماسك منخرط في مشاريع عن صنع سيّارة يقودها الروبوت بدل الإنسان! (انظر «الحياة» في 14 آب- أغسطس- 2016).