أطلق الرئيس الأميركي باراك أوباما والصيني هو جينتاو، الذي اختتم زيارته الرسمية الأولى إلى الولاياتالمتحدة ليل أول من أمس، حقبة جديدة من العلاقات الاقتصادية والتجارية الأميركية - الصينية بالتأكيد على السعي إلى «شراكة اقتصادية تعاونية تقوم على الاحترام والمنفعة المتبادلين لمصلحة بلديهما والاقتصاد العالمي» والتزما تعميق تعاونهما المشترك في مجالات النفط والغاز والطاقة النظيفة. بيد أن بياناً مشتركاً أصدره أوباما وهو بعد محادثات مكثفة بينهما في البيت الأبيض الأربعاء، اليوم الثاني للزيارة الرسمية، كشف بوضوح لا لبس فيه أن الرئيسين قدما تنازلات مهمة ولكن متبادلة عزاها البيان إلى «إدراكهما مدى أهمية العمل معاً لبناء» هذه الشراكة الاقتصادية التعاونية المتكافئة بين ما وصفه الرئيس الصيني في مؤتمر صحافي، «أكبر دولة ناشئة وأكبر دولة متقدمة». وجاءت التنازلات المتبادلة بعد تهديدات أو ما اعتبره مراقبون مفاوضات الساعة الأخيرة حين رهن وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر مبادرة واشنطن إلى تلبية مطالب بكين، خصوصاً الحصول على التكنولوجيا الأميركية المتقدمة وفتح السوق الأميركية أمام الاستثمارات الصينية، باستجابة بكين للمطالب الأميركية. وحصلت الصين على حصة كبيرة من هذه التنازلات التي برز منها وعد أميركي بمساندة مسعاها لضم عملتها الوطنية «مستقبلاً» إلى سلة العملات المستخدمة في تقويم حقوق السحب الخاصة (وهي حالياً الدولار واليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني) إضافة إلى تخفيف حدة الضغوط التي تتعرض لها بكين لتسريع حركة ارتفاع أسعار صرف اليوان في مقابل الدولار والعملات الرئيسة الأخرى. إلا أن الشركات الأميركية حصلت في المقابل على عشرات من عقود التصدير التي بلغت قيمتها 45 بليون دولار وحرص البيت الأبيض على الإشارة إلى أنها تدعم 250 ألف وظيفة في 12 ولاية. وشملت هذه العقود التي زاد عددها على 70 عقداً، شراء 200 طائرة تجارية بقيمة 19 بليون دولار من شركة «بوينغ» تُسلَّم في الفترة من 2011 إلى 2013. وانتزعت بكين تعهداً أميركياً من شأنه أن يؤمّن نوعاً من الحماية لمئات بلايين الدولارات من الأموال الصينية والعربية المستثمرة في الولاياتالمتحدة، خصوصاً أذون الخزانة إذ التزمت واشنطن الامتناع عن اتخاذ إجراءات من شأنها تعريض الدولار لتقلبات حادة إضافة إلى التركيز على حفض عجوزاتها المالية في المدى المتوسط والسيطرة على ديونها السيادية في المدى البعيد. وفي المقابل وعدت الصين بتكثيف جهود زيادة الطلب المحلي في «إطار العمل على ضمان أسباب النمو الاقتصادي القوي والمستدام في الولاياتالمتحدة والصين والعالم». كذلك التزمت بكين الاستمرار في إصلاح سعر صرف اليوان وزيادة مرونته ليتفق البلدان في المحصلة على «انتهاج سياسات نقدية استشرافية تأخذ في الاعتبار تداعيات هذه السياسات على الاقتصاد العالمي». وخرج أوباما بواحد من أهم الإنجازات عندما وعدت الصين بفرض رقابة مشددة وموثقة لضمان استخدام مؤسساتها الحكومية برمجيات «مشروعة» مدفوعة القيمة وتعهدت بالامتناع عن تطبيق «بنود سياسة الابتكار الوطني» على المناقصات الحكومية استجابة لمطالب الشركات الأميركية التي تزعم أن هذه السياسة تحرمها من فرصة التنافس على عقود ضخمة. ففي أكثر من مناسبة آخرها المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع ضيفه، انتقد أوباما بعبارات حادة مسألة التعدي على حقوق الملكية الفكرية في الصين، مشيراً، نقلاً عن المدير التنفيذي لإحدى كبريات شركات البرمجيات الأميركية، إلى أن نسبة البرمجيات تتعرض ل «السرقة» في الصين تصل إلى 90 في المئة. ووعد هو في اليوم الأخير من زيارة الدولة التي قام بها إلى الولاياتالمتحدة، بتشجيع الشركات الصينية على الاستثمار وإحداث وظائف في هذا البلد. وقال خلال زيارة لشيكاغو، «الرئة» الاقتصادية للغرب الأميركي، إن «الحكومة الصينية ستواصل تشجيع الشركات لتبرم مزيداً من الصفقات وتستثمر هنا».